مكتبة الأمام الحسن (عليه السلام) وعطاء الشيخ باقر القرشي

ارشد رؤوف قسام

ما أن وضعت قدميَّ على اعتاب صرح لا يبعد عن ضريح امير الحق والبلاغة سوى بضع عشرات من الأمتار بأتجاه جبل الحويش حتى استحضرت كل معاني الأخلاص والهيبة وعظمة المعاني وجلالة الكلمة عبير الكتب وعبق الأصالة ضمن أطر التوحيد والإيمان والولاء للعقيدة الحقة بكل تجلياتها الاسلامية والمذهبية الحقة انها مكتبة الإمام الحسن عليه السلام في المدينة القديمة..

مجموعة منغمسة بالمطالعة وأخرى مشغولة بالدرس وأخرى تتداول حديثا ما… اقتربت منهم سلمت عليهم ردوا علي بمثلها وزادوها بركات تعرفت عليهم حيث الشيخ مهدي نجل الشيخ باقر القرشي رضوان الله عليه وأخر هو الشيخ حسين نجل الشيخ هادي القرشي رحمه الله وولده الشيخ مرتضى، وكلهم بعمة بيضاء نقية كنقاء سريرتهم وينفرد الى جانبهم رجل بلباس مدني (أفندي) عليه وقار الإيمان من تلك البقعة العلوية الشريفة قال أنا حيدرمحمد شريف القرشي ابن أخ سماحة الشيخ باقر القرشي (قدس سره) وكنت في وقت ما قريب اليه جدا ولكن لظروف ابتعدت فترة عنه.
قلت له: حدثني عن المكتبة أذن.. قال: المكتبة صرح حضاري علمي ومعماري راقي وقد تأسست عام 1993 وكانت كمكان في الجزء الأول ثم فتح الجزء الوسطي في عام 2005 ثم الجزء المتقدم في عام 2012 والبناية بمجموعها تتكون من ثلاث طوابق مع سرداب فيه قبر الشيخ باقر القرشي رضوان الله عليه مع قاعة لأثاره وتوثيقاته والطوابق جميعها تحوي على خزانات للكتب التي يصل تعدادها اليوم اكثر من ثمانين الف عنوان مع قاعات مطالعة يشرف عليها موظفين مختصين لإحضار ما مطلوب من كتب وإضافة الى ذلك تتوزع على البناية الأقسام الأخرى لهذه المؤسسة (المكتبة).
وبإجاز فإن أقسام المكتبة هي قسم الكتب وقسم الجرائد والمجلات وقسم المخطوطات وقسم المكتبة الإلكترونية وقسم الأنترنيت والحاسبة.. كما وتضم المكتبة مركز الإمام الحسن (عليه السلام) للدراسات القرآنية الذي بدوره يتكون من قسم الحفظ وقسم التلاوة والمقامات وقسم المكتبة الصوتية والإعلام وقسم المرأة وتضم المكتبة ايضا مؤسسة الإمام الحسن (عليه السلام) لأحياء تراث أهل البيت عليهم السلام بقسميها النشر والترجمة، وفي المكتبة أيضا مركز نهج البلاغة للدراسات التخصصية وكذلك مدرسة الإمام الحسن (عليه السلام) الدينية وهي من المدارس الحوزوية المتميزة في النجف الأشرف.. وهناك معرضا لمؤلفات الشيخ باقر القرشي (قدس) وما تركه من ارث معرفي كبير يستفيد منه كل طالب وباحث في علوم اهل البيت عليهم السلام.
هنا نكتفي بالحديث عن المكتبه والآن حدثني عن الشيخ رضوان الله عليه وصحبتك معه؟ فيقول حيدر محمد شريف القرشي عقد ونيف من الزمان جيئة وذهابا عبر أزقة طرف العمارة مرورا بالصحن الشريف والضريح الطاهر قضيتها مع شيخنا طاب ثراه حيث يبدأ يومه باكرا بكل حيوية ونشاط يحث الخطى وهو مطرق برأسه يفكر مليا غاضا بصره عما حوله لكنه يحيّ كل من يمر عليه بتواضع وأدب..
كان يعيش يومه كاتبا مؤلفا باحثا عما تاهت عليه بالأمس من معلومة اراد ان يختم بها ليلته بما وصل اليه من تتبع في اسانيد روايات الأحاديث وقد اتعبه أثباتها لينبلج الصبح وأول همه ان يصل دار أخيه الأكبر الشيخ هادي والذي لا يبعد عنه كثيرا وما ان يصل اليه حتى يلتقط انفاسه مستريحا مطمئننا على صحة اخيه ثم يستعرض ما أنجزه في ليلته من بحث وتدوين مناقشا اياه بعض الأمور ومستمعا لآرائه ثم يحمل كتبه وقراطيسه متوجها الى المكتبة التي يعرفها وتعرفه بكل ما تحويه من كتب ومخطوطات على رفوفها التي تسخّر نفسها لخدمته من اجل الدين والعقيدة والشيخ متنقلا بينها كنحلة تنتقل بين الأزهار لتمتص رحيقها صانعة احلى شراب.
ملأ الله قلب هذا الرجل رحمة ورأفه افاضها على من حوله وزرعها في نفوس من معه فأينعت وأثمرت وكان كل فهيم اليه أقرب لما رحبت ذاته في علوم اهل البيت عليهم السلام دون ملل..
رحل شيخنا لكن مآثره مازالت بيننا وانفاس محبته في كل مكان عاش فيه ليس داره ومكتبته ومدينته فحسب بل كل المدن التي عاشت في قلبه ككربلاء ورجالها والقاسم واهلها، عاش الشيخ حياته بأبسط صورها لم يعبأ لزخرفها ورحل عنها بيدين خاليتين من ادرانها لم اره حائزا للمال طول حياته وكل ما يدخره في ايامه يدفعه في رحلة الخميس الى كربلاء عشقه، ولو اكتنز الذهب دهورا لما تمكن من ان يملك عشر ما ملكه بعد رحيله من حب الناس وشوارع ومكتبات واثار سجلت بأسمه حبا وكرامة فطوبى له الآخرة عند رب كريم (تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا).

نشرت في الولاية العدد 114

مقالات ذات صله