الشروط العامة للقيادة كما ذكرها القرآن الكريم


م.م. وسن الجبوري

من الواضح أنّ القيادة كانت ولا تزال تمثل مكانة بارزة في حياة المجتمعات والشعوب، ولقد اكدت الدراسات والابحاث التي اهتمت بهذا الجانب أنّ القيادة هي قلب الادارة النابض، وأنّه مهما كانت الصعوبات التي تواجه الادارة، ومهما اختلفت طبيعتها، فان العبء الاكبر من هذه الصعوبات تقع على كاهل القيادة، إذ أنّها هي المسؤولة عن تيسير العمل داخل التنظيم عن دافع الافراد وتحفيز الهمم وبث روح الحماس والنشاط في نفوس العاملين داخل التنظيم من اجل تحقيق الاهداف المنشودة.

القيادة لغة:
قال ابن منظور: مصدر من الفعل قاد،يقود،قودا، قيادة، واسم الفاعل منها قائد، ويجمع على قادة، والقائد يطلق على انف الخيل اي مقدمته.
القيادة اصطلاحا: تعددت وجهات النظر في تحديد معنى القيادة وذلك باختلاف المدارس الفكرية، فأصبحت لها معان مختلفة لدى مختلف الباحثين، وفيما يأتي عرض لبعض تعريفات القيادة:
– أنّها قدرة الفرد في التأثير على شخص أو مجموعة وتوجيههم وارشادهم من اجل كسب تعاونهم وتحفيزهم على العمل بأعلى درجة من الكفاية في سبيل تحقيق الاهداف الموضوعة.
– قدرة تأثير شخص ما على الاخرين حيث يجعلهم يقبلون قيادته طواعية ودونما الزام قانوني، وذلك لاعترافهم التلقائي بقيمة القائد في تحقيق اهدافه وكونه معبراً عن آمالهم وطموحاتهم مما يتيح له القدرة على قيادتهم الجماعية بالشكل الذي يريده.
مما تقدم يمكن القول أنّ القيادة هي فن التأثير في الآخرين وتوجيههم بطريقة صحيحة يتسنّى معها كسب طاعتهم واحترامهم وولائهم وتعاونهم في سبيل تحقيق هدف مشترك.

شروط القيادة العامة:
نقصد بالشروط العامة أنّها لا تتعلّق بنوع واحد من انواع القيادة، كالقيادة السياسية أو التربوية أو الادارية أو غيرها، فلكل واحدة منها على حدة شروط مخصوصة تكميلية أو تحسينية، وربما اساسية، اما الشروط العامة فالمقصود بها الشروط التي لا تكون القيادة قيادة بدونها ولا يصلح القائد أنّ يكون قائدا الا اذا تحلى بها وهي:
1- القصدية: وذلك بموجب الوعي بوجود غاية من خلق الانسان وسعيه في الارض، تستوجب هذه الغاية أنّ يكون ذا رسالة محددة المعالم منوطة به، وأن يعي بأنّ الغاية هي اساس محاسبته بين يدي الحق والخلق سواء بسواء وذلك بموجب قوله تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَاتُرْجَعُونَ)(المؤمنون: الاية 115).
فالقائد الفاعل لا يغلو لا قولا ولا فعلا، وهو دائم الضجر من الاشياء التي لا تجدي نفعا، ذلك أنّ القصدية محرك للسعي ومنتج للعمل: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى)(النجم: الآية 39)، ولعل هذا يتصادى مع قول الفيلسوف ديفيد تورت الذي قال: «لا يكفي أنّ اكون كادحا، فالنمل اشد كدحا ولكن المهم مالذي تكدح من اجله».
2- الابداع: لعل أهم عناصر الابداع في اغلب النظريات المفسرة له هي معاداة التقليد، وحسن البصيرة وترك الاحكام الجاهزة والقدرة على المبادرة والنفسية الايجابية، وهذه العناصر التي تتجمع فتشكل الابداع كلها ندب اليها الحي بالحاح وتكرار، فقد حارب الاسلام الابائية: (قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ)(الزخرف: الاية 23).
وبشان البصيرة فقد امر بها الانبياء: (عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) (يوسف: الآية 108)، وذلك حتى يقتحموا العقبات دون تردد أو خوف.
كما نهى الاسلام عن الأحكام المسبقة والآراء الجاهزة ودعا للتبين وعدم التسرع في الحكم: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أنّ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أنّ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَافَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)(الحجرات: الاية 6).
3- الصبر: يقول الله عز وجل: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) (السجدة: الاية 24)، لصبرهم على الدنيا وشهواتها واجتهادهم في طاعة الله عزوجل والعمل بأمره وبذلك يحققون النجاح والتقدم ويصلون الى ما يصبون اليه في قيادة الامة وفي نهاية المطاف يوفّى أجرهم بغير حساب.
4- التأمل الخلاق: لا ينجح القائد ابدا في تدبير مهام قيادته اذا كان اسير النظرة السطحية أو العجلى، ولهذا تنصح كل نظريات القيادة بالنظر الى الاشياء المألوفة نظرة غير مألوفة، وبمجاوزة الواقع وحتى المتوقع، أو السباحة في عالم المتخيل، بل وتحكيم الخيال احيانا، وقد نبه القرآن الى ذلك باستعمال عبارات شهيرة من قبل: (او لم ينظروا) (الاعراف: الاية 185)، (فاعتبروا يا أولي الابصار)(الصف: الاية3).
5- الاستيعاب: توقف القرآن الكريم مرات متعددة عند خاصية حسن الخلق عند رسول الله: (وانك لعلى خلق عظيم) الاأنّوجه الصلة بينه وبين شخصية القائد هوأنّالخلق الحسن يساعد على حسن استيعاب الاتباع والخصوم على السواء، ولهذا كان من السمات القيادية البارزة عند اتباع رسول الله صفة اللين والحلم والصبر على الاذى ومسايرة المحاور بالنزول عنده الى مستواه والى القضية التي تشغله، حتى لو كانت القضية غير ذات اهمية في موازين الرسالة، يبين القرآن بوضوح هذا الرابط في قوله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ القلبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)(ال عمران: الاية 159).
الا أنّ هذا اللين لا يتنافى مع الحزم والا لتحول الى نقطة ضعف وعنصر نقص تعوق القيادة عن اداء مهمتها الرئيسية التي هي فن سوق الناس الى الهدف، ولعل من أهم المقتضيات الخارجية لخلق الاستيعاب هو فن الابتسامة الدائمة والذي كان رسول الله يمارسه ويتقنه دوما حتى وصف من اصحابه بالبسّام وكانت تتهلل اسارير وجهه فكان الشمس تجري في محياه.
ولعل من أهم المقتضيات الخارجية حسن مخالطة الاصحاب حتى لا يكاد يميز القائد عنهم بشيء في لباسه أو طعامه أو ركوبه أو شرابه، ولقد كان الرسول الاكرم المثال النادر لهذه الخاصية، اذ كان يدخل عليه الاعرابي وهو في جمعٍ من اصحابه فيقول: «ايكم محمد» وكان يجلس كما يجلس العبد، وكان اذا صافح احدهم لايسحب يده حتى يكون الشخص المصافح له يفعل ذلك.
المصادر:
1- جميل كمال، أسرارالقيادة عند الإمام علي،( الكويت: مبرة سيد الشهداء، 2017 ).
2- جلال الدين الصغير، القائد والقيادة والانقياد في سيرة أمير المؤمنين /( بيروت: دار الزهراء، 1988).
3 -ابن منظور / لسان العرب،( بيروت، مؤسسة الاعلمي، 1986)، مادة قود.

نشرت في الولاية العدد 121

مقالات ذات صله