البردة وأثرها في الادب العربي

أ‌.جهاد هادي ابو صيبع

هي القصيدة البارعة المشهورة التي نظمها شرف الدين البوصيري -608= 1213 م=—-695 = 1295م في مدح النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله)، ولد البويصيري في مدينة ((دلاص)) ونزح منها صغيرا مع امه الى ((بوصير))وكلتا المدينتين من مدن مصر العربية وقد نسب البوصيري اليهما فقيل له ((الدلاصيري))ولكنه اشتهر بالبوصيري، واهل الاسكندرية الان يقولون ((الاباصيري)).
وقد عاش البوصيري متكسبا بالكتابة في دواوين الدولة متنقلا فيها من مدينة الى اخرى وعانى كثيرا من عنت كتابها ورؤسائها وقد سجل الوانا من فسادهم في احدى قصائده، فاصبحت ذات قيمة تاريخية ثمينة، وكان بالبوصيري ميل الى النسك والزهد ويبدو ان هذا الميل هو الذي اغرى به رؤساؤه فمنحوه مرتبة وكانت خاتمة مطافه حيث مات ودفن في الاسكندرية وبها قبره ومسجده الشهير —له خصوصيات ومزايا ندرت نظائرها في غيره من الشعراء —كتسجيلاته الشعرية لبعض حوادث عصره وصوره الاجتماعية والبردة احدى هذه الخصوصيات —فأن تلك الصوفية التي بدت فيها وفي غيرها من مدائحه النبوية –أثر من اثار الحياة الروحية التي نزع اليها بعض الناس في ذاك العصر — لقد انصرف البوصيري الى الغزل النبوي –فبردته بما فيها من وجد وحنين ولهفة وشوق – ودموع – وذكر ديار – هي اقرب الى باب الغزل منها الى باب المديح وهذا هو الفن الشعري الجديد. اشتهر البوصيري بمدائحه النبوية، التي ذاعت شهرتها في الآفاق، وتميزت بروحها العذبة وعاطفتها الصادقة، وروعة معانيها، وجمال تصويرها، ودقة ألفاظها، وحسن سبكها، وبراعة نظمها؛ فكانت بحق مدرسة لشعراء المدائح النبوية من بعده، ومثالا يحتذى به الشعراء لينسجوا على منواله، ويسيروا على نهجه؛ فظهرت قصائد عديدة في فن المدائح النبوية، أمتعت عقل ووجدان ملايين المسلمين على مرّ العصور، ولكنها كانت دائما تشهد بريادة البوصيري وأستاذيته لهذا الفن بلا منازع.
نشأته
نشأ البوصيري نشأة قرآنية وأدبية وصوفية، تعلم في القاهرة بساحة مسجد عمرو بن العاص، علوم اللغة والأدب وأصول البلاغة وقواعد العروض والقوافي، مع إتقان حفظه للقرآن الكريم وأصول قراءاته مع حفظ الحديث، وعمل بأحد الدواوين بمديرية الشرقية في بلبيس. ثم اتصل بأبي العباس المرسي إمام الصوفية بالإسكندرية، وقد انتفع البوصيري بصحبته ثم تنسك وتصوف، وقد ابتلاه الله بمرض الفالج الشلل فتقرب إلى الله تعالى ونظم قصيدة البردة في مدح الرسول صلي الله عليه وسلم وما إن كتبها حتى رأي في نومه النبي صلي الله عليه وسلم يقرأها أمامه ومسح بيده عليه، وخلع عليه بردته فاستيقظ من النوم وقد شفاه الله، وتلك نعمة وكرامة من عند الله عز وجل. وتُعد قصيدته الشهيرة (الكواكب الدرية في مدح خير البرية) والمعروفة باسم (البردة) من عيون الشعر العربي، ومن أروع قصائد المدائح النبوية، ودرة ديوان شعر المديح في الإسلام، الذي جادت به قرائح الشعراء على مرّ العصور، وقد أجمع النقاد والشعراء على أنها أفضل المدائح النبوية بعد قصيدة كعب بن زهير «الشهيرة» بانت سعاد ومطلعها من أبرع مطالع القصائد العربية، يقول فيها
أَمِنْ تذكّر جيرانٍ بذي سلم مزجتَ دمعًا جرى من مقلة بدم؟
أم هبت الريحُ من تلقاء كاظمةٍ وأومضَ البرقُ في الظلماء من إِضَم؟
فما لعينيك إن قلت اكففا همتا وما لقلبك إن قلت استفق يهم
وهي قصيدة طويلة تقع في 160 بيتًا، يقول في نهايتها:
يا نفسُ لا تقنطي من زلةٍ عظُمتْ إن الكبائرَ في الغفرانِ كاللمَم
مولاي صلِ وسلم دائماً أبدا على حبيبك خير الخلق كلهم
وهذا البيت الأخير يقرأ عند ابتداء وانتهاء كل فصل من فصول هذه القصيدة، وقد ظلت تلك القصيدة مصدر إلهام للشعراء على مر العصور، يحذون حذوها وينسجون على منوالها، وينهجون نهجها، ومن أبرز معارضات الشعراء عليها قصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي «نهج البردة»، التي تقع في 190 بيتا، ومطلعها:
ريم على القاع بين البانِ والعلمِ أحلَ سفكَ دمي في الأشهر الحرمِ
هوى النفس
وقد تنقل البوصيري في قصيدته البردة من النسيب والغزل في أولها إلى التحذير من هوى النفس ثم مدح النبي صلي الله عليه وآله وسلم وتكلم عن مولده ومعجزاته، ثم وصف القرآن، وليلة الإسراء والمعراج، والجهاد، وختمها بالتوسل والمناجاة. وأصبح البوصيري ببردته هذه أستاذا للشعراء والحكماء والبلغاء، ولا يوجد في الأدب العربي قصيدة من الشعر كان لها مثل هذا التأثير الفائق على الناس جميعا في كل البلدان، وأصبحت أورادا تقرأ، وعن طريقها عرف الناس أبوابا من السيرة النبوية العطرة، وعن طريقها شاع اتجاه أخلاقي له طابعه الخاص.
فاق النبيين في خلق وفي خل ولم يدانوه في علم ولا كرم
وكلهم من رسول الله ملتمس غرفا من البحر أو رشفا من الديم
وأصبحت البردة مصدر وحي يستلهمها الشعراء وفي بناء قصائدهم في مدح الرسول صل الله عليه وآله مثل أحمد شوقي الذي قلده في بردته. التي يقول فيها:
محمد صفوة الباري ورحمته وبغية الله من خلق ومن نسم
المصادر
اولا محمد محمود قاسم نوفل (1983()تاريخ المعار ضات في الشعر العربي (دار الفرقان
ثانيا شذرات الذهب في اخبار من ذهب —ابو الفلاح عبد الحي بن عمار الحنبلي –دار احياء التراث العربي القاهرة

نشرت في الولاية العدد 121

مقالات ذات صله