ارشد رؤوف القسام
(فضوة المشراق) تعني المنطقة المفتوحة التي تقع وسط محلة المشراق، وهي احدى محلات النجف الأربعة قديما، و(الفضوة) من الفضاء، ونحن نعلم أن النجف والمدن الشرقية قديما كانت تسكن في محلات تكون فيها البيوت متجاورة جداً وتكون الازقة (العكود) ضيقة نوعا ما، وذلك لأسباب متعددة، فتحتاج إلى مناطق تكون فيها فسحة كبيرة يمكن الاستفادة منها لبناء، او تكون سوقاً، او غير ذلك، وفي هذا الموضوع يهمني أن أتكلم عن سوق السمك، وتحديدا محلات بيع أدوات صيد الأسماك، وهذا السوق هو أمتداد لسكلة السمك في (فضوة المشراق)..
ولربّ سائل يسئل عن ازدهار مثل هذا السوق (في تلك المدة) والنجف بعيدة نوعا ما عن مواقع صيد الأسماك؟ فالجواب. جاء على لسان أحد باعة مواد صيد الأسماك وهو رسول ناجي إذ قال: كانت النجف تحتوي على ميناء ترسو فيه السفن، وفيها الأسواق، والمقبرة الكبيرة، والمدارس الدينيه الحوزويه المنتشرة فيها، وكذلك يمتاز أهل النجف بالمهارة العالية من حيث الإبداع وفنون التصنيع وهذا كله مستلهم من الرمز الأكبر وهو مرقد أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي تتشرف بوجوده هذه المدينة المقدسة… وعن قدم السوق يقول رسول ناجي: هو قديم بقدم المحلة أو الطرف إذ يرتبط بها وكان السوق معروفا يتبضع منه اغلب ابناء المحافظات الأخرى كالبصرة وبقية المدن من غرب وشمال العراق، وكان السوق يباع فيه أغلب ادوات صيد الأسماك وملحقاتها من الشبك بأنواعها و(الصنارات)- الشص- وكانت هناك نسوة حرفية تقوم بحياكة هذه الشباك، وشبكة الصيد هيكل شبكي يحاك من خيوط قطنية أو كتان أو بلاستيكية وتربط أحيانا بقطع معدنية أو خيوط ادق سمكا ويتم بطريقة فنية تضمن دقة وسهولة الاستعمال ومن أنواع الشبك التي تباع في هذا السوق هي (السلية) و(الطارودي) و(المحير) و(شقاف) و(عريس)، ولكل اسم من هذه الشباك خاصية ومكان للاستعمال حسب طبيعة المنطقة وعمق المياه فيها، ونوع وحجم الأسماك المطلوبة للصيد وغيرها..
واليوم قد دخلت أنواع مستورده كثيرة ومختلفة من حيث المنشأ والمادة المصنوعة وتختلف هذه الأنواع تبعاً لذلك، إلأ أن أشهر الأنواع الموجود اليوم هو الغزل التايلندي، وهو على نوعين: (غزل تايلندي خام) و(غزل تايلندي منكنه)، وقد أخبرني بذلك (الأسطة) عباس جاحم صاحب محلات (عباس الصياد) إذ يقوم اليوم ببيع الشباك بأنواعها، و(السلية) التي تشتهر فيها مدينة النجف الأشرف لوحدها على مدن العراق إذ تنفرد النجف بصناعتها وتدخل فيها مادة الرصاص التي تجعل من القطعة المعدنية التي تربط في اطراف السلية ثقلا لها، وكذلك يقوم ببيع تجهيزات الصيد كلها من (صنارات) و(طعوم) وهي اسماك صغيرة مصنعة من السليكون …ومواد متنوعة مثل حبال و(أسلاك السحب) و(الخطاطيف) وغيرها.
كما أكد الحاج محمد حرش وهو بائع مواد صيد الأسماك وحائك للسلية النجفية إذ يقول: إن افضل شيء لصيد الأسماك هي (السلية) -المصنعة محليا في النجف- التي تجعل السمكة المصطادة صحيه ولذيذة، واسوأ طريقة للصيد هي استعمال (الزهر) الذي يضر بالثروة السمكية..
يضم سوق المشراق محلات متنوعة لبيع لوازم صيد الأسماك في المدة السابقة من أشهرهم الحاج ناجي كمون، والحاج هادي كمون، ومهدي وحمادي كمون، ومحل الحاج سعيد جاحم وأولاده، ومسلم جاحم وعباس وسالم أولاد الحاج عمار جاحم، وكاظم الركابي (أبو مهدي)، وجليل النصراوي، وعبد متعب شبع، وجواد شبع، وعبدالله شهيب، وعلاوي شايع، وجواد حرش، ومحمد حرش، وسيد بشبوش، وسيد جواد كمونه وغيرهم ..
كما لا بد من أن نشير الى أن هذا السوق كان يحمل شهرة حسنة بين محافظات العراق عامة كون الذين اشتغلوا بهذه المهنة سابقا وإلى الآن سيرتهم مشرفه، وعملوا بشرف المهنة وبما يرضي الله وبأخلاق المسلم الغيور على دينه ومذهبه ومدينته وهم بجوار حرم أمير المؤمنين(عليه السلام)، لا تفصلهم عنه غير امتار قليلة فلم يتعامل السوق بمواد تضر بالثروة السمكية وبصحة المواطن الذي يستهلك الأسماك.
نشرت في الولاية العدد 123