الاندفاع والحماس لدى الشباب…!


هاشم الباججي

إن ظاهرة اندفاع الشباب وحماسهم نحو كثير من المَواطن التي يُقدِّمون فيها التضحية بأنفسهم ودمائهم في ميادين الحرب والقتال، ولاسيما في أوقات الازمات والدفاع عن الوطن والمقدسات لهي من أروع صور الوفاء والاندفاع نحو الاهداف المثلى والسامية التي يلبي الشباب الدور فيها قبل غيرهم غير مبالين بالموت ، وإذا كان بعضهم يستغرب من هذا الاندفاع من فئة الشباب على وجه الخصوص فإن الحقيقة تنبئ إن هذا الأمر ليس بالغريب من فئة الشباب التي يتوقع منها الكثير في ان يكونوا رأس الحربة والطليعة التي يفتدى بها الوطن والمقدسات …
ولكن من جانب اخر ان فترة الشباب قد يطغى عليها الحماس والاندفاع مع قلة العلم ببعض الامور فتكون المشكلة التي تؤدي الى نتائج سلبية على تفكير الشاب ومستقبله ، فمهما بلغ ذكاء واطلاع الشاب ، سيدرك الفرق إذا ما زاد علما بامتداد العمر .

فمثلا لو سمح الشاب لنفسه بخوض معارك الطائفية والتكفير والبدع ، وإذا رضي لها الاصطفاف في صفوف تلك المعارك العقدية او ان يكون في خندق من خنادق الغلو والانحراف الفكري ،فانه بالتأكيد سيكون اندفاعه اكبر وقراراته من دون علم وتدبر بسبب حماسه واندفاعه لأفكار تأثر بها ويريد تطبيقها على ارض الواقع من دون دراية، وبالتالي سينغمس في السير على معتقداته الخاطئة إلى آخر عمره غالبا ، وقد يندم على ذلك بعد امتداد عمره حين لا ينفع الندم ، إذا زاد علمه وعَظُم حِلمه !
فيرى الكثير من الشباب ان المدة التي يعيشونها هي الفرصة المطلقة لتحقيق رغباتهم الشخصية الضيقة، كامتلاك سيارة فارهة ، أو السفر بكثرة إلى بلدان مختلفة، أو اقتناء الماركات بلا ضوابط أو حدود، ونحو تلك التصرفات المرهقة. … ولكن لا يعلم ان تأسيس مستقبله وبناء خططه والاستعداد لها على أكمل وجه، و ضرورة استثمار هذه المدة الزمنية المبكرة في حياة الشباب، لوضع أسس وقواعد الاستقرار في الغد والتفكير في كيفية بناء حياة أسرية مستقرة.
وقد لا تدرك هذه الشريحة من الشباب عواقب تصرفاتها مستقبلا في ضرورة رسم تنظيم امرها وتحديد مستقبلها ورسم أهداف مدروسة لتحقيقها والابتعاد عن حالات حرجة قد يقع بها الشاب ، فمثلا مع اقتراب موعد الزواج وما يتطلبه من مصاريف كثيرة، سيجدون الشباب أنفسهم عاجزين حتماً عن توفير متطلبات تقليدية لا بد وأن يؤمنها كل شاب من أجل حياة مستقرة مستقبلاً، الا بمساعدة الاهل بشكل كبير أو اللجوء الى تأمين الأموال اللازمة للبدء في مشروع الزواج، وفي تلك الخطوة بداية صعبة في حياة الكثيرين من الشباب الذين سيثقلون بالديون لفترة ليست بالقصيرة، لذا فإن لم يحسنوا التصرف في ما تبقى من سنوات عمرهم والتخطيط الصحيح لها وعدم الاندفاع والتهور ستكون بالتأكيد هناك نتائج عكسية.
لذا فإن الشاب الواعي والعاقل وغير المندفع يدرك حجم المسؤوليات ويقدر المطلوب منه في مختلف المناسبات، لذلك فهو قادر على تلبية المطلوب بالاستعداد منذ وقت مبكر وتقدير الاحتياجات في فترات متباعدة، وهو ما يستوجب أن تظل ثقافة التعقل وعدم الاندفاع جزءاً مهماً من أسلوب حياة الشخص، فالمناسبات الحياتية تستوجب استعداداً منطقياً لتجنب الوقوع تحت طائلة الأعباء والضغوط، وبذلك يشق الشاب طريقه نحو النجاح.
ان الاندفاع والحماس الزائد عند فئة الشباب في أغلب الامور الحياتية التي يعيشونها يمكن أن يرجع إلى أسباب عدة، يأتي من أبرزها:
1 – انعدام الوعي الصحيح الناضج عند هؤلاء المندفعين والمتهورين، وهو ما يمكن إرجاعه إلى انخفاض المستوى التعليمي والثقافي والفكري عند هؤلاء الشباب في معظم الأحيان.
2 تعاملهم مع مجريات الأحداث المختلفة من منطلق عاطفي بحت بعيداً عن تحكيم العقل الرشيد والنظر السديد والتدبر الحكيم في مثل هذه الأمور التي لا تحتاج إلى اندفاع وتهور، وإنما تحتاج إلى تدبر وتفكر.
3 تعامل أصحاب هذه القناعات مع الأحداث والتطورات المختلفة في مجالات الحياة من منطلق فكري فردي ضيق ومحدود ، فمثلا قد يندفع بعضهم في الامور الدينية بوساطة تصور الاندفاع هو السبيل إلى الجَنّة، وأنه يحقق معنى الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام، أو أنه وسيلة لإنهاء الحياة بما فيها من المتاعب والمشكلات والمصاعب، كما في الكثير من الشباب الذين انخدعوا بالتنظيمات التكفيرية وقتلوا نتيجة اندفاعهم من دون تمحيص وروية.
4 – فَهْم بعض النصوص الشرعية في مسألة الجهاد في سبيل الله تعالى فَهْماً فردياً قاصراً، وعدم الرجوع في ذلك إلى العلماء الموثوقين الذين بيّنوا أن للجهاد شروطاً وضوابط تختلف كلياً عن هذا الاندفاع والتهور الذي يؤدي إلى ما لا تُحمد عقباه من النتائج المؤسفة.
5 – التأثر بما في الساحة من أفكار منحرفة ودعوات مضللة تعكس الحقائق، وتقلب المفاهيم، وتجعل من الحق باطلاً، ومن الباطل حقاً، ولاسيما في بعض الأوساط الاجتماعية التي يغلب عليها قلة العلم الشرعي، وانخفاض الوعي الاجتماعي، والسطحية في التفكير.
6 – عدم وجود المتنفس الكافي لطاقات الشباب في المجتمع ،حيث إن مرحلة الشباب هي المرحلة العمرية الزاخرة بالطاقات والقدرات والاستعدادات والمواهب المختلفة، وإذا لم تجد من يوجهها ويصرفها إلى ما فيه النفع والفائدة فإنها ستتحول إلى الجانب السلبي الذي يأتي من أبرز أمثلته هذه الظاهرة المؤسفة.
ان الاندفاع والحماس الزائد لدى الشباب ولا سيما غير المنضبط بعلم واستشارة قد يؤدي الى نتائج سلبية كبيرة ومؤسفة على الشاب منها :
1- الاندفاع في مخالفة صريحة لتعاليم الدين الحنيف وتوجيهاته، وبُعداً عن تربية الإسلام السامية التي نهت عن تعريض النفس للأذى أو التهلكة والعياذ بالله.
2- هدر الطاقات والقدرات الشبابية التي يفترض أن تُوجَّه وتُصرف في كل نافع ومفيد من الأعمال التي يتحقق بوساطتها إعمار الأرض واستصلاحها تحقيقاً لمبدأ الاستخلاف الشرعي الذي أمر الله به في كتابه الكريم.
3- يترتب على ظاهرة الاندفاع الكثير من المخالفات الشرعية كالمقامرة في الحياة وعقوق الوالدين، وضياع الأُسَر، وقد تؤدي الى فقدان الأمن، وإهلاك الحرث والنسل، وتدمير المنشآت وإحداث الفوضى وإزهاق النفس بغير حق…
لذا فلابد للشباب من التحكم بأفعالهم وجعلها منضبطة على وفق القانون والشرع والاعراف الصالحة والاستشارة والاستعانة بذوي الخبرة والمعرفة قبل الاقدام باي عمل ، فلابد من المعرفة اولا ثم الاقدام والمباشرة بالعمل (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) – الاسراء 36- حتى لا يكون عملنا باندفاع سلبي اهوج ونتائج مؤسفة.
أما أبرز الخطوات العلاجية لهذه الظاهرة فيأتي منها:
-العمل الجاد على العناية بالشباب والحرص على احتوائهم بوساطة مختلف المؤسسات التربوية والتعليمية والاجتماعية والثقافية والترويحية والوظيفية وغيرها.
-تكثيف الجهود الرامية إلى تربيتهم التربية الإسلامية السليمة الواعية التي تنطلق من كتاب الله العظيم وسُنّة رسوله الكريم، والتي تراعي الحقوق والواجبات، وتهتم بالميول والرغبات، وتعمل على توجيه طاقاتهم واستعداداتهم لما فيه صلاحهم وإصلاح أوطانهم.
-عدم التسرع في الوصول والعمل على أن تكون أولويات الشباب هو نظم الأمر والوصول الى تحقيق الأهداف بالوسائل المشروعة والمنضبطة والمتسلسلة.

نشرت في الولاية العدد 129

مقالات ذات صله