العدل في كلام أمير المؤمنين.. وبناء الأوطان


ذوالفقار ظاهر

كُتِبت الكثير عن الحكم والمبادئ التي أرساها الإمام علي بن ابي طالب(عليه السلام) في مختلف جوانب حياة الإنسان العامة والخاصة، والإمام علي(عليه السلام) باعتباره خليفة رسول الله محمد بن الله(صلى الله عليه واله) كان له الدور الكبير والرؤية الثاقبة في العمل العام وشؤون الحكم والإدارة، فضلاً عمّا له من مكانة دينية ثابتة. لذا نجد له من الأقوال والأفعال ما تُظهر كيفية ممارسة الحكم ورسم الصفات العامّة للسلطة والحاكم القادرين على الاستمرار ومواصلة عملهم إرضاء للخالق سبحانه، ورفعا للظلم والغبن عن الرعية.

وفي هذا السياق، قال أمير البيان عليّ(عليه السلام): «إعدل تملك»، وقال أيضاً «إعدل تحكم»، وأضاف «ما حصّنت الدول بمثل العدل»، وتابع «لن تحصّن الدول بمثل استعمال العدل فيها»(موسوعة الامام علي: 316)، هذه بعض من المبادئ العامة التي رسمها الإمام عليّ له كحاكم وأمير للأمّة ولغيره من الحكّام الذين سيأتون بعده على مرّ التأريخ، فلا دوام لحكم ولا استقرار له من دون عدل وإعطاء كلّ ذي حقٍّ حقّه، ولا تطور وإبداع في ظل حكم ينخر فيه الفساد الإداري والسياسي والمالي، لأنّ العدل هو المعيار الذي يجب اتباعه في المساواة بين المواطنين بالحقوق والواجبات والدخول إلى الوظائف وتوزيع الخدمات العامة بينهم، ونقيض ذلك أن تكون معايير أُخر كالمحسوبيات وصلات القربى والمحاصصة السياسية والدينية للتعاطي بين الحاكم (اي الدولة) والمواطنين.
فأيّة دولة يتعاطى فيها المسؤول على أساس توزيع الحقوق والواجبات انطلاقا من المساواة كأحد المبادئ الأساسية الحاكمة فيها التي تكرّس عدم التمييز بينهم على أسس اللون أو الدين أو العرق أو غيرها من الفوارق، هي دولة سنجد التلاحم فيها بين مؤسّسات الدولة وشعبها الذي لن يتخلّى عنها في الأوقات الصعبة والأزمات السياسية والاقتصادية أو في زمن الحروب، فالشعب الذي نشأ على حب الوطن وأنّه لا تمييز فيه سيفدي بلده بكل ما يملك، والشعب الذي تربّى على العدل بين أفراده سيؤكد على الوفاء والثبات والدفاع عن وطنه في كلِّ المراحل والظروف وسيرفع مصالح وطنه فوق كل مصالحه الشخصية، وكذلك يجب أن يفعل الحاكم الصالح لو أراد إرضاء الله والناس والحصول على القبول والموافقة بالاستمرار في الحكم من دون اهتزازات أو مخاوف.
وكلام الإمام علي(عليه السلام) هو مصداق واضح لكلام الله سبحانه وتعالى الذي يؤكّد على ضرورة العدل في الحكم وحياة المجتمعات، ومن ذلك ما ورد في الآية الكريمة: «إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى»(سورة النحل، الآية 90)، وكذلك قوله تعالى في الآية 58 من سورة النساء: «إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعمّا يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا»، وأيضاً قوله تعالى في سورة الأنعام الآية 152: «وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا».
وكلام الأمير(عليه السلام) له ما يؤكّده من الأحاديث النبوية الشريفة التي توجب على العدل بين الناس وتنبذ التفرقة من دون وجه حق، ومبادئ تأسيس الدول والحكم على أساس العدل هي من المبادئ الهامة والضرورية التي تشكل حجر الزاوية في بناء الأوطان أيّاً كان شكل النظام السياسي المتبع فيها، ومبدأ العدل هو من المبادئ العامة المجردة القابلة للتطبيق في كلّ زمان ومكان، ويجب اتباعها في كل أنواع القوانين العامة والخاصّة وليس في المسائل السياسية والدستورية فقط.

نشرت في الولاية العدد 129

مقالات ذات صله