مرافئ 129

من درر الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)

(( عِبَادَ اللَّهِ إِنَّ مِنْ أَحَبِّ عِبَادِ اللَّهِ إِلَيْهِ عَبْداً أَعَانَهُ اللَّهُ عَلَى نَفْسِهِ فَاسْتَشْعَرَ الْحُزْنَ وَ تَجَلْبَبَ الْخَوْفَ فَزَهَرَ مِصْبَاحُ الْهُدَى فِي قَلْبِهِ وَ أَعَدَّ الْقِرَى لِيَوْمِهِ النَّازِلِ بِهِ فَقَرَّبَ عَلَى نَفْسِهِ الْبَعِيدَ وَ هَوَّنَ الشَّدِيدَ نَظَرَ فَأَبْصَرَ وَ ذَكَرَ فَاسْتَكْثَرَ وَ ارْتَوَى مِنْ عَذْبٍ فُرَاتٍ سُهِّلَتْ لَهُ مَوَارِدُهُ فَشَرِبَ نَهَلًا وَ سَلَكَ سَبِيلًا جَدَداً قَدْ خَلَعَ سَرَابِيلَ الشَّهَوَاتِ وَ تَخَلَّى مِنَ الْهُمُومِ إِلَّا هَمّاً وَاحِداً انْفَرَدَ بِهِ فَخَرَجَ مِنْ صِفَةِ الْعَمَى وَ مُشَارَكَةِ أَهْلِ الْهَوَى وَ صَارَ مِنْ مَفَاتِيحِ أَبْوَابِ الْهُدَى وَ مَغَالِيقِ أَبْوَابِ الرَّدَى قَدْ أَبْصَرَ طَرِيقَهُ وَ سَلَكَ سَبِيلَهُ وَ عَرَفَ مَنَارَهُ وَ قَطَعَ غِمَارَهُ وَ اسْتَمْسَكَ مِنَ الْعُرَى بِأَوْثَقِهَا وَ مِنَ الْحِبَالِ بِأَمْتَنِهَا فَهُوَ مِنَ الْيَقِينِ عَلَى مِثْلِ ضَوْءِ الشَّمْسِ قَدْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ فِي أَرْفَعِ الْأُمُورِ مِنْ إِصْدَارِ كُلِّ وَارِدٍ عَلَيْهِ وَ تَصْيِيرِ ك ُلِّ فَرْعٍ إِلَى أَصْلِهِ مِصْبَاحُ ظُلُمَاتٍ كَشَّافُ عَشَوَاتٍ مِفْتَاحُ مُبْهَمَاتٍ))… نهج البلاغة – خطب الإمام علي (ع) 151/1

أنا ربكم الأعلى!
حكي أن ملكاً شاباً قال لجلسائه: لا رغبة لي بالملك والسلطنة فهل هذا ما أفهمه أنا لوحدي أم أن الآخرين كذلك قالوا: هو ما تقوله أيها الملك.
وقال: فما العمل؟ قالوا: شيء واحد هو إطاعة الله تعالى والتزام أوامره وعدم معصيته. فطلب الملك المذكور من العلماء والصلحاء القاطنين في بلدته الحضور إلى مجلسه وإجباره على إطاعة الله، ونهيه عن المعاصي، وطبّق ذلك على نفسه وارتفع عن الرذائل واستمر حكمه أعواماً طويلة، ثم ألقى الشيطان في روعه يوسوسه قائلاً: لو كنت من أبناء آدم لما عمرت إلى الآن وكنت ميتاً كسابقيك ولكنك أنت الله نفسه فادع الناس أن يحضروا عندك ليشكروك ويعبدوك، فأخذت هذه الوسوسة أثرها من الملك وصعد المنبر والناس حضور وقال فيهم: أيها الناس! إني أخفيت عليكم أمراً حان إظهاره، وهذا الأمر هو: إن المدة الطويلة التي قضيتها ملكاً، لو كنت فعلاً من ولد آدم لكنت ميتاً ولم أعمر طويلاً، فاعلموا أني أنا الله ربكم وألزمكم بطاعتي… وهكذا ادعى الملك الألوهية وأخذ يقتل ويعذب من ينكر عليه ذلك، نعم (إن الإنسان ليطغى، إن رآه استغنى).

نشرت في الولاية العدد 129

مقالات ذات صله