رياض احمد محمد تركي
قوته الجسدية وشجاعته النادرة:
تميّز الأمام عليُّ بن أبي طالب(عليه السلام) بقوةٍ جسديةٍ هائلة في الصلابة والرجولة والشجاعة المقرونة بالفروسية، وضُربت في شجاعته الأمثال، والمعروف أنّه دخل ساحات الوغى وهو شابٌ لم يتجاوز العشرين سنة من عمره. وقيل في وصف قوّته الجسدية أنّه « إذا أمسك بذراع البطل فكأنّه أمسَكَ بنَفَسِه فلا يستطيع أن يتنفس «. ولم يـبارز أحـداً مهما تمـيّز من قوةٍ وشجاعةٍ إلاّصرعه. فشجاعته وقوّة بأسه كان يعرفها كل من نزل الميدان، حتّى أنّ الفرسان كانت تتحاشى لقاءه لما عُرفَ عنه من قوّة وشكيمة وثبات، وحتّى قيل له مرّةً: ((بمَ تتغلب على من يبارزك؟ قال: مالقيت رجلاً إلاّ أعانني على نفسه)) (نهج البلاغة: 4/67). مشيراً إلى أنّ الفارس حينما يبارزه يتخاذل أمامه لعلمه بشجاعتهِ وقوّته. وكيف لا يكون كذلك وهو القائل: ((واللهِ لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليّت عنها، ولو أمكنت الفرص من رقابها لسارعت إليها)) (نهج البلاغة: 3/47). أضف إلى ذلك بما أوتـيَ من شجاعة وبأس، حتى كانت العرب تَعدُّ ضرباته (وتراً) إذا علا (قدَّ) وإذا اعترض (قطَّ)، وفي معركة أُحُد سُمع هاتف في السماء ينادي:
لاسيف إلاّ ذو الفقار ولافـتىً إلاّ علــــيّ
فسأل المسلمون النبي (صلى الله عليه وآله) عن مصدر الصوت فقال: هذا جبرائيل. فمن قوّة ضرباته النادرة ضربته لمرحب بن حارث اليهودي التي أصبـحت مضرباً للأمثـال، فكان هذا الفارس أشجع اليهود، حيث إن بعض قادة المسلمين حينما طلب منهم الرسول (صلى الله عليه وآله) أن يبارزوه ردّوا هاربين مذعورين؛ لأنّه كان من الضخامة بحيث يعجز الفارس عن مقارعته فضلاً عن تترسه بالحديد من رأسه حتى أخمص قدميه وعلى رأسه مغفر وحجر كبير قد ثقبه مثل البيضة، وكان علي (عليه السلام) أرْمَـد فاستدعاه النبي (صلى الله عليه وآله) ومسح من ريقه المبارك على عينيه فبرئتا، وبرز لمرحب فضربه ضربته المشهودة التي قدّت الحجر والمغفر ورأسه حتى وقع السيف في أضراسه فخرَّ صريعاً. وفي معركة الخندق حينما برز علي بن أبي طالب (عليه السلام) لعمرو بن عبد ودّ العامري، قال النبي (صلى الله عليه وآله): (برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه) وفي وصف ضربته قال (صلى الله عليه وآله): ((ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين)) (مواقف الشيعة: 3/331) حيث صرع فيها أشجع شجعان قريش عمرو بن عبد ودّ العامري.
قالوا في الإمام علي (عليه السلام):
* قال عامر الشعبي: تكـلَّمَ أمير المؤمنـين علي بن أبي طالب عليه السلام بتسعِ كلماتٍ ارتجلهُنَّ ارتجالاً، فقأنَّ عيون البلاغةِ وأيتمن جواهر الحكمة وقطعن جميع الأنام عن اللحاق بواحدةٍ منهنَّ. ثلاث منها في المناجاة وثلاث منها في الحكمة وثلاث منها في الأدب.
فأمّا اللائي في المناجاة فقال: (إلهي كفى بيَ عزاً أن أكونَ لكَ عبداً، وكفى بي فخراً أن تكون لي ربّاً. أنتَ كما أُحب فاجعلني كما تُحب).
وأمّا اللائي في الحكمة فقال: (قيـمةُ كلِ أمرئ ما يُحسِـنُه، وما هلكَ امرءٌ عرفَ قدرهُ، والمرءُ مخبوءٌ تحت لسانهِ).
وأمّا اللائي في الأدب فقال: (امنن على مَنْ شئت تكن أميره, واحتج إلى من شئت تكن أسيره، واستغن عَمَّن شئت تكن نظيره).
* قال أحمد بن حنبل: لم يزل عليُّ بن أبي طالب مع الحقِّ والحقُّ معهُ حيث كان… وما جاء لأحد من أصحاب رسول الله (ص) من الفضائل ما جاء لعليِّ بن أبي طالب.
* قال إبراهيم بن سيار بن هاني النظّام المعتزلي: عليُّ بن أبي طالب محنة على المتكلّم، إنْ وفّاه حقه غلا، وإنْ بخسه حقّه أساء، والمنزلة الوسطى دقيقة الميزان، حادة اللسان، صعبة الترقي، إلاّ على الحاذق الذكي.
* يقول العلامة الشيخ محمد جواد مغنية (قدس سره): في سنة 1936 أو 1937، لا أتذكر التعيين، أقامت جمعية الإصلاح في بيروت احتفالاً بذكرى الإمام علي (عليه السلام)، تكلّم فيه عدد من الخُطباء، وكان من بينهم الأمير شكيب أرسلان، وقدّمهُ معرّف الحفلة بقولهِ: ((تسمعون كلمةً من الأمير شكيـب، وإنّما سمي أمـيراً لأنهُ شبيه بالأمير في سنانهِ وبيانهِ)). فغِضب شكيب من هذا التشبيه، وقال على المنبر: ((والله ما اعتراني الخـجل منذ خُلقت، حتى الساعة، كما اعتراني حين سمعت المعرّف يشبّهني بأمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب، واللهِ إنَّ كلَّ ما في السماء والأرض عدا الله والرسول لا يشـبه علـيَّ بن أبي طالب… إنَّ الله أمر بالخـير، ونهى عن الشرّ، ثم خلق علياً كما يشاء، وقال للناس: هذا هو المَثَل الأعلى فاحتذوه)).
* قال ميخائيل نعيمة: وبطولات الإمام ما اقتصرت يوماً على ميادين الحرب. فقد كان بطلاً في صفاء بصيرتهِ، وطهارة وجدانه، وسحر بيانهِ، وعمق إنسانيتهِ، وحرارة إيمانهِ، وسمو دعتهِ، ونصرته للمحروم والمظلوم من الحارم والظالم، وتعبّده للحق أينما تجلّى لهُ الحق. وهذهِ البطولات ومهما تقادم بها العهد، وما تزال مقلعاً غنياً نعود إليه اليوم وفي كل يوم كلّما أشتد بنا الوجد إلى بناء حياة صالحة، فاضلة.
* قال الشاعر المتنبي في عليٍّ (عليه السلام) وقد عُوتب في تركه مدحه:
وتركـتُ مدْحـي للوصـي تعـمّـداً إذ كــان نورا مستطيــلاً شـامــــلا
وإذا استطال الشيء قام بنفسهِ وصفاتُ ضوء الشمس تذهب باطلا
قال الشعراء في علي (عليه السلام):
*قال الشاعر المسيحي بولس سلامه:
يا إلهَ الأكوانِ أشفـقْ عليـا لا تمُتني غـبَّ العذابِ شقيـا
أنـتَ ألهمتـني مديـحَ عليٍّ فهمى غيـدقُ البيـانِ عَلَيَّا
وتخيّرتُ للأمير وأهـلِ البيتِ قـلبـاً آثـرتهُ عيسـويـا
هو فخر التاريخ لا فخر شعبٍ يـدّعـيهِ ويصطفـيهِ وليّـا
لا تقـلْ: شيعـة ٌ هـواه عليٌ إنَّ في كـلِ منصـفٍ شيعـيا
إنَّما الشمـسُ للنواظـرِ عيدٌ كلُّ طرفٍ يرى الشعاعَ السنيا
يا أميرَ الإسلامِ حسبيَ فخـراً أنَّني منـكَ مالـئٌ أصـغريا
جلجلَ الحقُّ في المسيحيِّ حتى عُـدَّ من فرطِ حبّـهِ علويـا
أنا من يعشقُ البطولـةَ والإلـ ـها م والعدلَ والخـلاق الرضيـا
فإذا لم يكـن علـيٌّ نبـيـاً فلقـد كـان خلقـهُ نبويـا
أنـتَ ربُّ العالمـين إلهـي فأنلهـمْ حنانـَكَ الأبـويـا
وأنلني ثوابَ ما سطرت كفـ ـي فهـاجَ الدمـعُ في مقلـتيـا
سِفْرُ خيرِ الأنـامِ من بعدِ طه ما رأى الكـونُ مثلَـهُ آدميا
ياسماءُ اشهدي ويا أرضُ قرّي واخشعـي إنني ذكـرتُ عليا