م.م. عقيل رشيد الأسدي
ولد الإمام علي(عليه السلام) في الثالث عشر من رجب في الكعبة، ولم يولد فيها أحد سواه.
وان انشقاق الجدار لفاطمة بنت أسد لتضع علياً لهو دليل على عظمة المولود وسموّه ورفعة منزلته، وان بقاء الأثر في الجدار شاخصا الى هذا اليوم – على الرغم من التجديد والإعمار المستمر- لهو إعجاز آخر لا يقلّ أهمية عن انشقاق الجدار، وكأن ذلك الشق يعبر عن ابتسامة البيت العتيق فرحا باحتضانه علياً(عليه السلام).
بعد ولادة النبأ العظيم، جاءت به أمه إلى بيت أبي طالب، وكان النبي(صلى الله عليه وآله) موجودا عندهم.. فأسماه عليا وشغف به حبا، ومنذ ذلك الحين تولى تربيته وتأديبه حتى قال لأمه: (اجعلي مهده بقرب فراشي).
وكان (صلى الله عليه وآله) يتولى غسله ويوجره اللبن بيده، ويحرك مهده عند نومه، ويناغيه في يقظته، ويحمله على صدره ويقول: (هذا أخي ووليي وناصري وصفيي وذخري وكهفي، وظهري وظهيري ووصيي، وزوج كريمتي، وأميني على وصيتي، وخليفتي، وكان يحمله دائما ويطوف به جبال مكة وشعابها وأوديتها)(بحار الأنوار35/9).
في كنف الرسول الأكرم:
وقد تحدث الإمام علي (عليه السلام) عن نشأته في كنف رسول الله(صلى الله عليه وآله) قائلا: (ولقد علمتم موضعي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا وليد، يضمني إلى صدره ويكنفني في فراشه ويمسني جسده ويشمني عرفه، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول، ولاخطلة في فعل، ولقد قرن الله به (صلى الله عليه وآله) من لدن أن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم، ليله ونهاره، ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل إثر أمه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما، ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء، فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غير رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوة، ولقد سمعت رنّة الشيطان حين نزل الوحي عليه(صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت: يا رسول الله ما هذه الرنة؟ فقال: هذا الشيطان قد ايس من عبادته، إنك تسمع ما أسمع، وترى ما أرى، إلا أنك لست بنبي ولكنك لوزير، وإنك لعلى خير) (نهج البلاغة
/الخطبة 192).
تربية الرسول لعلي(عليه السلام):
وكانت تربية النبي لعلي(عليه السلام)لها أثر بالغ في شخصيته، وكما هو معروف أن الطفل يولد وعقله صفحة بيضاء يكتب بها المربي ما يشاء، إذ يرى علماء النفس أن الطفل يكتسب كثيرا من القيم والسلوك المعبر عن تلك القيم من خلال التربية، فهو آلية مهمة في نمو الطفل ونضجه، فعن طريق التربية يتعلم الطفل المهارات والسلوكيات والعادات وغيرها.
فإذا كان الأمر كذلك فما بالك بعلي(عليه السلام) الذي نشأ وترعرع في حجر رسول الله محمد(صلى الله عليه وآله) الذي وصفه الله سبحانه وتعالى بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم /4) وهو القائل: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) (مرآة العقول 7/33).
فلك أن تتصور صفات ربيب هذه الشخصية العظيمة كيف تكون.
وقد وصفه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قائلا: (من أراد أن ينظر إلى آدم في جلالته، وإلى شيث في حكمته، وإلى إدريس في نباهته ومهابته، وإلى نوح في شكره لربه وعبادته، وإلى إبراهيم في وفائه وخلته وإلى موسى في بغض كل عدو لله ومنابذته، وإلى عيسى في حب كل مؤمن ومعاشرته فلينظر إلى علي بن أبي طالب) (بحار الأنوار 17/419).
كان علي(عليه السلام) أشجع الناس بعد رسول الله وأكثرهم علما وحلما وعزما وتواضعا وتذكيراً بأيام الله، وألينهم مع المؤمنين، وأغلظهم على الكافرين وأشدهم اجتهادا في العبادة وأزهدهم، وأبعدهم عن ملذات الدنيا، وهو القائل: (والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها، على أن أعصي الله في نملة أسلبها جُلب شعيرةٍ ما فعلت، وإن دنياكم لأهون عليّ من ورقة في فم جرادة، ما لعليّ ونعيم يفنى ولذة لا تبقى).
دروس من سيرة وليد الكعبة:
ما أحوجنا اليوم إلى دراسة السيرة العطرة لهذه الشخصية العظيمة التي خلدها تفانيها في الحق، فالأمة الإسلامية في عصرنا هذا قد بعدت كثيرا عن المثل الإسلامية العليا، ووصلت إلى ما نرى من تفرق الكلمة و تشتت الشمل واختلاف الأفئدة، فدراسة حياة هذا الإمام العظيم وسيرته وارتشاف الدروس والعبر منها والاقتداء بها يرجع للأمة مكانتها السامية.
نسأل الله العلي القدير أن تكون هذه الولادة الميمونة منطلقا لرص الصفوف وتوحيد الكلمة لمواجهة كل التحديات التي تعصف بالأمة، وتصحيح كل المسارات الخاطئة التي فرقت المسلمين وحادت بهم عن نهج الصواب.
نشرت في الولاية العدد 81