مظاهر التربية النفسية في أقوال الإمام الهادي عليه السلام

sh-hadi06

عبد الهادي عبد الرحمن الشاوي

ان حياة الإمام علي الهادي (عليه السلام) التي امتدت منذ ولادته في المدينة المنورة حتى استشهاده في سامراء كانت مفعمة بالعمل في سبيل صلاح الأمة.
عايش الإمام (عليه السلام) هذه الظروف الصعبة فقد كانت قيادة الأمة الدينية التي كانت تلفها المتاعب المضنية من مسؤوليته، واتجه لله متوكلا عليه، واحتسب عناءه عنده، وقابل همومه المتناثرة في مناحي الحياة بالصبر والحلم والثبات، فكان يتصدى لوضع سياسي مزرٍ متمثل بحاكم لا يرعوي، قد شغلته الدنيا عن الاهتمام بمصالح الأمة الإسلامية.

يمكن أن نقول إن حياة الإمام علي الهادي (عليه السلام) قد امتدت من عصر المأمون الى خلافة المعتز العباسي الذي كان حكمه من سنة 252-255هـ/866-868م , وهي مرحلة تاريخية شهدت تقلب أهواء وتغير سلوكيات، فمن معتدل في مواقفه مع الطالبيين إلى معاد صريح لهم الى حد الإجرام, وكل ذلك كان مشفوعا بولاة مختلفين في المنهج والسلوك, فقد برزت في هذه الفترة بعض القوى باختلاف تطلعاتها الإدارية والسياسية والعسكرية, واستطاعت أن تلعب دورا في تغيير سياسة الدولة العباسية لتحقيق مكاسبها الخاصة في هذه الظروف التي تشكل سمة تلك المرحلة التاريخية .
وقد اشتد على الناس ذلك الحال، فهم منه في ضنك وألم, يضاف الى ذلك واقع اقتصادي ثقلت معاناته على عامة الناس، فكان الظلم والتعسف سمته الظاهرة، فقد كان الإمام حزينا على ما أصاب المسلمين من ضرر وما حل بهم من نكبات بسبب سوء الأحوال الاقتصادية والاجتماعية وما تتركه من أثر نفسي في الناس بعامة، وكان إلى جانب ذلك كله جور الولاة والخلفاء العباسيين على الناس عامة وعلى الإمام علي الهادي(عليه السلام) بوجه الخصوص، وبهذه الصورة كان الوضع العام, وقد كان فيه الإمام علي الهادي(عليه السلام) صابرا محتسبا ومصرا على إنفاذ قيمه ومبادئه الى الناس أجمعين، وان عمل الإمام(عليه السلام) قد تنوع وسلك مناحي عدة هدفها واحد وغايتها المثلى هي الإصلاح للأمة الإسلامية ما استطاع إلى ذلك سبيلا.

التصدي للإصلاح بالحكمة والموعظة الحسنة
ان من مهام الإصلاح الاعتناء بالإنسان في جميع ظروفه وأحواله، لذلك صرنا نجد الاهتمام باديا من خلال الحكم والمواعظ والإرشادات التي حوتها كلماته النيرة، وليس أدل على ذلك من أن نستشهد ببعض الحكم التي هدفت الى إصلاح النفس وتربيتها بما يضمن لها السلامة من الانحراف ويدلها على الخير والصلاح والرشاد ويبعدها عن الوقوع في المكاره والمحارم ويجنبها الشبهات ومن ثم يقوي عزيمة من آمن بها وسعى إلى الالتزام بما حوت من أفكار وبما أنارت من سبل وأوضحت من طرق ربما كانت خافية عن أعين الناس وعن مداركهم، حتى صارت تلك الأقوال حكما متوارثة تنتقل بين الناس، لأن الحكمة تعد أسلوبا تربويا اذا ما قدمت تهذيبا للنفس البشرية وتعاليم قادرة على تغيير ما اعتاد عليه الناس من سلوكيات لا تناسب القيم الإسلامية السامية التي يدعو اليها الإمام(عليه السلام) ويريد أن يربي النفس البشرية عليها, ولذلك نجد ان بعض حكمه قد نحت هذا المنحى الذي يهذب النفس ويربيها ويسمو بها عن الرذائل في عملية غايتها إنشاء جيل صالح تسود فيه القيم النبيلة ويتخذ العدل والحق موازيا له.
وتعد حكم الإمام(عليه السلام ) من أحسن التعاليم التربوية، ومن أفضل وسائل تزكية النفوس وتطهير القلوب مما لحق بها من ادران المجتمع وسلوكياته الخاطئة، وقد كانت هذه الحكم تعد من الأقوال السائرة الجارية مجرى الأمثال، ذلك لاشتمالها على الموعظة الحسنة, وتهذيب النفوس واستباقها لإرشاد الضال وقمع الضلال واستهدافها الأمة وتوجيه الأجيال الى السلوك السليم الذي يحفظها من الزلل ويقيم بها مجتمعا إسلاميا معافى من الآفات والعلل النفسية والأخلاقية والاجتماعية.

مختارات من حكمه ومواعظه الحسنة
ومن مجموعة هذه الحكم النيرة نختار الآتي لما فيه من دعوة الى تهذيب النفس وتربيتها تربية حسنة:
* أبقوا النعم بحسن مجاورتها, والتمسوا الزيادة فيها بالشكر عليها.
* اعلموا أن النفسَ أقبل شيء لما أُعطيت، وأمنع شيء لما منعتْ.
* إياكم والحسد فإنه يُبينُ فيكم ولا يعمل في عدوكم.
* السهرُ ألذ للمنام والجوعُ يزيدُ في طيبِ الطعام.
* العتابُ مفتاحُ التقالي, والعتاب خير من الحقد.
لقد صيغت هذه المواعظ في تراكيب لغوية ناسبت ما وضع لها من معان وما أريد لها من دلالات، فقد جاءت الحكم الثلاث الأولى بصيغة الجمل الفعلية التي تضمن لها حرية تطور الدلالة, بما فيها من حركية يمنحها التركيب الفعلي الذي يدل على الحدوث والحركة، إذ إن النعم متباينة متغيرة ولكل منها أهميته وفعله في حياة الإنسان، وان الالتزام بالزيادة والرغبة فيها يتطلب الدوام على الشكر لله الواحد الأحد الذي بيده مطلق الإعطاء والمنع لذلك قال الإمام(عليه السلام): (أبقوا النعم بحسن مجاورتها، والتمسوا الزيادة فيها بالشكر عليها).
وان الدوام على الشكر يشعر النفس الإنسانية بالخضوع والطاعة والانقياد لذات عليا قادرة على تسيير الأمور بما يضمن الصلاح ويبعد النفس عن السوء والفحشاء والمنكر من القول والفعل وبذلك يتحقق للإنسان السمو في الخلق والتوازن في التصرف والحكمة في الفعل والقول فتتهذب طباعه وتستقيم تصرفاته.
فيما جاءت المواعظ الأخر على صيغة الجملة الاسمية ضامنة لها الثبوت والحكم القطعي في الدلالة، إذ لا يشك أحد أن الراحة بعد الجهد والعناء هي ألذ وأبقى في النفس، ويمكن ان تعمم هذه الصفة على أن ما جاء بعد عناء ومشقة ارسخ في النفس وهو اقرب إليها ممن جاء بلا تعب ومكابدة، وفي هذا دعوة الى العمل وإرشاد الى الطريق القويم وتهذيب للطبع وحسن استفادة من الفعل والقول في الواقع بما يؤدي الى إسعاد النفس وإصلاحها، ولكل موعظة مما ذكرنا دلالة وميدان عمل إذا ما أحسن الأخذ بها فإنها تترك أثرا طيبا في النفس البشرية المحتاجة بطبعها إلى الإرشاد والعناية والتوجيه.
وما هذه المختارات من حكم الإمام علي الهادي(عليه السلام ) إلا قبس من نور يشع به فكر الإسلام ومبادئه العظيمة التي وجدت في شخصية الإمام( عليه السلام) حصنا منيعا لها ومدافعا مستميتا عن قيمها الخالدة التي نحن أحوج ما نكون الى دراستها والتمعن في دلالاتها والأخذ من نورها, لكي نستدل على الطريق القويم الذي يحاول الضالون إخفاء سبيله بكل الوسائل الخبيثة التي أمعن أعداء الأمة الإسلامية في سلوكها مستهدفين إضعاف النفس المسلمة ومن ثم الإخلال بمنظومة القيم الإسلامية التي نحن مدعوون لصونها والحفاظ عليها.

نشرت في الولاية العدد 85

مقالات ذات صله