في بيان مفهوم اللطف ووجوبه وأقسامه وأحكامه

akaed

مرتضى علي الحلي

اللطفُ لُغةً: هو إيصال ما تحبه إلى الآخر برفق، تقولُ لطُفَ اللهُ لك أي أوصل إليك ما تحبه برفق، فاللطيفُ هو صفةٌ من صفات الله تعالى واسمُ من أسمائه، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) (لقمان/16) وقال: (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيزُ) (الشورى/19)، واللَّطِيف هو الذي اجتمع فيه الرِّفق في الفعل والعلمُ بدقائق المصالح وإيصالها إلى من قدّرها له من خلقه. يقال: لَطف به وله، بالفتح، يَلْطُف لُطْفاً إذا رَفَقَ به.(لسان العرب: ابن منظور:مادة لطف)

بيان اللطف في المفهوم العَقَدي
هو أمرٌ يُحدثه اللهُ تعالى في العباد يكونُ الإنسانُ المُكلّف معه أقرب إلى فعل الطاعة وأبعد عن فعل المعصية ولم يكن لهذا الأمر المُحدَث حظ أو نصيب في بلوغ حال المُكلّف إلى التفويض وسلب الاختيار منه ذلك لأنَّ التفويض ليس لطفاً وسلبُ الاختيار يُنافي التكليف أو اللطفُ هو ما يكون المُكلّف به أقرب إلى فعل الطاعة وترك المعصية ولايبلغ الإلجاء وهو الفعل بإكراه واضطرار وليس له حظٌ من التمكين (التفويض) واللطفُ هو واجبٌ في الحكمة الإلهيّة وإلاَّ لَزِمَ مُناقضة الحكيم غرضه (اللوامع الإلهيّة في المباحث الكلاميّة: العلامة المقداد السيوري الحلي: ص227).

بيان وجوب اللطف على الله تعالى عقلاً
قال المحقق الطوسي رحمه الله تعالى: (اللطفُ واجبٌ ليُحصَّل الغرض به) (كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد: العلامة الحلي: ص201).
من المقطوع به في علم الكلام عقلاً وحتى نقلاً أنَّ اللطفَ واجبٌ عقلاً على الله تعالى إذ به يُحصِّل الإنسان المُكلّف غرضه ولو لم يلطف اللهُ تعالى بعباده للزمَ نقض الغرض ذلك أنَّ الله تعالى إذا عَلِمَ أنَّ المُكلّف لايطيع أوامره إلاَّ بإحداث اللطف له أو به فلو كلّفَ الله تعالى المُكلفين من دون أن يلطف بهم أو لهم كان حاشاه ناقضاً غرضه لما ثبتَ من أنّ أفعاله سبحانه مُعللّة بالأغراض وكان كمن دعا غيره إلى طعام وهو يعلم أنه لايُجيبه إلاّ أن يستعمل معه نوعاً من التلطف والرفق به.
فإذا لم يفعل الداعي ذلك النوع من الرفق والتلطف بالمكلّف كان ناقضاً غرضه .
إذاً يجب اللطفُ على الله تعالى عقلاً لتحصيل الغرض من التكليف كشف المراد في شرح تجريد الأعتقاد، العلامة الحلي:ص202: بتصرف. وقال العلامة الحلي رحمه اللهُ تعالى (واللطفُ واجبٌ على الله تعالى لتوقف غرض المُكلف عليه فإنَّ المُريدَ لفعل من غيره إذا عَلِمَ أنه لايفعله إلاَّ بفعلٍ يفعله المُريدُ من غير مشقة لو لم يفعله لكان ناقضاً غرضه وهو قبيح عقلاً).
(شرح الباب الحادي عشر: المقداد السيوري الحلي: ص87).

أقسامُ اللطف
ويتفرع اللطف لأقسام ثلاث هي :
1. أن يكون اللطفُ من فعل الله تعالى مباشرة وصدوراً كإرساله الرسل وبعثه الأنبياء ونصب الأئمة والأوصياء وهذا القسم له بحثه الخاص به .
2. أن يكون اللطف من فعل المُكلّف نفسه لما وجب في حكمة الله تعالى من أن يُعرّفه به ويُشعره ويوجبه عليه كوجوب طاعة الأنبياء والأئمة المعصومين (عليهم السلام).
3.أن يكون اللطف من غير الله والمُكلّف بمعنى أن اللطف يكون من فعل غيرهما، وهذا القسم واجب في الحكمة الإلهيّة وإيجابه ثابت على الغير (غير الله والمُكلّف) كتبليغ النبي الرسالة ويُشترطُ في هذا القسم إعلام المُكلّف به وهو النبي ومبلغ الرسالة، وإيجاب الله تعالى تكليف التبليغ عليه وأن يكون للنبي في مقابل ذلك نفع يعودُ إليه ومن ثمّ لايحسن تكليف من له اللطف إلاَّ بعد العلم بأنه يقع ويتحقق إذ لولاه يلزم مناقضة الغرض من التكليف.

أحكامُ اللطف الإلهيِّ
هناك أحكام تستوجب في اللطف الإلهي هي:
1. أنَّ اللطفَ عامٌ للمؤمن والكافر ولا يلزم من حصوله للكافر عدم كفره ذلك لأنَّ اللطف هو لطفٌ في نفسه سواء حصلَ الملطوف فيه أو لا يحصل بل كونه لطفاً من حيث أنه مُقرِّب إلى طاعة الله تعالى ومُرجِّح لوجودها، وإنَّ عدم إنتفاع الكافر بذلك اللطف هو لسوء اختياره وعصيانه، بمعنى إنَّ عدم ارتفاع كفر الكافر الذي شمله اللطف الإلهي هو بسوء إختياره وعصيانه وجحده للحق وشؤونه قال تعالى (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) (لقمان/7).
2. إنَّ الله تعالى إذا لم يفعل اللطفَ لم يحسن عقابه للمُكلّف على ترك الملطوف فيه، لأنّه إذا لم يفعل اللطف كان ذلك إغراءً منه وحاشاه بالمعصية كما قال تعالى (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى) (طه/134) فلو منع الله تعالى إرسال الرسل لكان للمكلفين هذا السؤال والاحتجاج ولا يكون لهم ذلك وقد لطفَ الله بهم.
3. لابدّ من مناسبة بين اللطف والملطوف فيه أي يجب أن يكون حصول اللطف داعيا إلى حصول الملطوف فيه وإلاَّ لصار عدم كونه لطفاً فيه أولى من كونه لطفاً لغيره من الأفعال.
4. أنْ لايبلغ اللطف وإحداثه حد الإلجاء وهو سلب المُكلّف اختياره في تكليفه لمنافاة ذلك للتكليف أصلاً.
5. أن يدخل ويجوز في اللطف من جانب المُكلّف التخيير لا التعيين ليحقّ للمكلّف امتثال أحد الأفعال المُشتملة على المصلحة اللطفية كما هو الحال في خصال الكفارات الثلاث: (تحرير رقبة، او إطعام ستين مسكيناً، او صوم شهرين متتابعين).
باعتبار أنَّ أحدها يقوم مقام الآخر في الإجزاء والمُطابقة امتثالاً. (انظر ما ورد في كتاب: اللوامع الإلهيّة في المباحث الكلامية: العلامة السيوري الحلي: ص228/229).

نشرت في الولاية العدد 86

مقالات ذات صله