أكبر تجمع في العالم يغيبه الإعلام

dsc_5346-web_0

هشام اموري

يعد الإعلام بتخصصاته المختلفة ـــ المقروء والمسموع والمرئي ـــ من الوسائل المهمة في نقل الحقائق والوقائع كما هي لاعلام الناس بها على اساس مبادئ الحيادية والأخلاقية المهنية للمؤسسات الإعلامية.
وعلى هذا الاساس فان إخفاء أي حدث عالمي والتغافل عنه يعد شرخا كبيرا في العمل الإعلامي.. وبخاصة ذلك الذي يدعي الحيادية والموضوعية في التعامل مع الاحداث.

الصحافة حقيقة
يذكر الأستاذ علاء هادي مؤلف كتاب (نافذة على الاعلام العربي والدولي) أن الصحافة والعمل الصحفي لا يقتصران على البحث عن الأخبار ونقلها للجمهور من دون النظر إلى ماهية تلك الأخبار ووقعها على المُتلقّي؛ لأن الخبر ليس مجرد كلمات تُصاغ بأسلوب خاص لينشر للناس، بل إنه أكبر بكثير من مفهوم اللغة والصورة: إنه حقيقة تعني أفراداً ومجتمعات ويؤثر فيهم بطريقة أو بأخرى ويرتبط ارتباطا مباشراً بمصداقية الصحفي وبطريقة إيصاله وعرضه على الجمهور؛ لأن إبداء الحقائق والمعلومات يعتمد أساسا على البنية القيمية للصحفي القائم بنقلها للجمهور –
ويذكر أيضا: ما يجري على أرض الواقع يختلف تماما عن أساسيات العمل الصحفي، فقد أثبتت مجريات الأحداث أن وسائل الإعلام تتعرض يوميا لقوى يمكن لها أن تخلط المعلومات وتشوشها، سواء كان ذلك عن طريق الضغط المباشر من أشخاص مؤثرين أم من مؤسسات ذات سيادة، يهمها عدم نشر أخبار قد تؤثر على وضعها الاجتماعي أو الاقتصادي؛ أو بطريقة الضغط غير المباشر وذلك بعدم نشر الإعلانات أو قطع المساعدات المالية، التي بالتأكيد سيكون لها أثر بالغ في عمل المؤسسة الصحفية وديمومتها.
ويؤكد : أن الحقيقة أينما كانت هي أكبر من أن تؤطّر بحدود أو جنسيات؛ لذلك فإن ناشديها سوف يقصدونها حيثما حلّت، ويُعَرّفون الناس بها وعنها بسائر الطرق والوسائل المدنية، وبالتأكيد لن يتورع الصحفي عن إيصال حقيقة في بلدٍ ما لكونه لا يحملُ جنسية أو قومية البلد الذي وقع فيه الحَدَث، وفي الوقت نفسه لا يمكن أن يُنظر إلى الصحفي من خلال النظام السياسي أو الديني السائد في بلده؛ لأن الحقيقة هي الوطن الحقيقي للصحفي والمصداقية هي جواز سفره –
تعتيم مقصود في فضاء الإعلام الحر:
يشهد العراق اكبر تجمع بشري في العالم سنويا، بمناسبة ذكرى أربعين الإمام الحسين(عليه السلام) في العشرين من صفر، وقد بلغ عدد المتوجهين لمدينة كربلاء المقدسة هذا العام أكثر من سبعة عشر مليون زائر بحسب الإحصائيات التي اعلنتها المؤسسات الحكومية والمستقلة.
هذه التظاهرة السلمية التي يعلن فيها ملايين المسلمين وغيرهم من الديانات والمذاهب الأخرى ولاءهم وحبهم لسبط النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) على اختلاف ألوانهم وأشكالهم شهدت تعتيما إعلاميا واضحا من وسائل إعلام عربية وأجنبية، مع انها ترفع شعار الحياد والموضوعية ونقل الحقائق في عملها الإعلامي، بحيث انها تهتم بنقل أخبار وأحداث تعد اقل قيمة بكثير قياسا بحجم هذه الزيارة المباركة.
على ان هنالك قنوات اعلامية غربية رصدت بنفسها هذه الظاهرة، من ذلك ما اشارت اليه صحيفة (الاندبندنت) البريطانية و(راديو اوستن) الأوربي.
فقد نقل عن هذه الصحيفة انها نشرت مقالا تحت عنوان (أعظم تجمهر ديني في العالم يحدث الآن، وأنت على الأرجح لم تسمع به حتى الآن) فيذكر صاحب المقال الأدلة التي جعلت من زيارة الأربعين أعظم وأكبر وأرقى تجمهر ديني في العالم إذ يفوق عدد الزائرين عدد الحجاج بخمسة مرات، كما وهو كذلك أهم من مهرجان(كوم ميلا) الهندوسي الكبير لأن الأخير يحدث مرة كل ثلاث سنوات.. كما أن زيارة الأربعين تجري في أجواء أمنية خطيرة وفي خلفية التفجيرات، ما يمثّل تحدّيا للإرهاب ورسالة الى العالم كله.
كما وجه الكاتب انتقادا لاذعا للإعلام الغربي لتعاطيه المسيّس مع القضية الحسينية ويتساءل كيف يتم تغطية مظاهرة صغيرة في لندن او مسيرة لبضع المئات في هونغ كونغ او تجمّع محدود في روسيا ويتم غض الطرف عن أعظم تجمهر بشري سلمي في العالم حيث السيل الجارف من النساء والرجال والأطفال؟
ويحيل الكاتب التعتيم الإعلامي على زيارة الأربعين الى عدم اكتراث الإعلام الغربي بالقصص الإيجابية الملهمة وخصوصا فيما يرتبط بمذهب أهل البيت، كما يشير الى أن الزائر بإمكانه أن يجد في المشاة الى الحسين قصصا من الفداء والصبر والتحمّل والعطاء وكل مفردات الخلق الرفيع ما يحتوي على مادة ثريّة لإنتاج أفلام ضخمة، إلا أن هوليوود مهتمة بالشخصيات الخرافية أكثر من الأبطال الحقيقيين الذين يرسمون من خلال ظاهرة الأربعين أعظم ملحمة إنسانية.

أوستن: الإعلام يرتكب خطيئة
أما راديو أوستن الأوروبي فقد ذكر أن الزيارة المليونية لإحياء ذكرى أربعين الإمام الحسين (عليهم السلام) : ” أضخم المسيرات الدينية والسياسية في العالم لا نظير لها» مؤكدا أن وسائل الإعلام الغربية ترتكب خطيئة إعلامية في تجاهل مثل هذا الحدث العالمي..
وقال تقرير “راديو أوستن ” الأوربي: إن هذه الخطيئة التي ترتكبها وسائل الإعلام الغربية لم تأت من فراغ، بل ثمة عوامل وراء عملية الحظر على تغطية ما يسميه الشيعة(زيارة الأربعين) ومن غير المستبعد ان هناك قوى سياسية ودينية في الغرب تمتلك زمام التأثير في توجيه الرأي العام العالمي من خلال هيمنتها على ادارة ماكنة الإعلام العالمي تقف وراء هذا التجاهل في تغطية مناسبة اربعين مقتل حفيد الرسول محمد الحسين بن علي وعدد من عائلته واصحابه في كربلاء.
وتابع التقرير: إن المشاهد التي تابعها فريق الراديو من قنوات فضائية شيعية تبث من العراق على الانترنت بحضور مترجمين عرب، أظهرت أن ما يشهده العراق هو حدث ديني لا نظير له في العالم يفوق حشود المشاركين فيه بأعداد كبيرة ايام الحج في مكة بالسعودية الذي يجتمع فيه المسلمون لأداء الحج.
تميز زيارة الأربعين عن باقي التجمعات:
تتميز زيارة الأربعين عن باقي التجمعات في تاريخ البشرية بأنها تحدث بتوقيت ثابت، أي في العشرين من شهر صفر إذ يتوجه إليها المؤمنون قبل عشرة أيام في الأقل من موعد الزيارة، وأن زائري كربلاء خلال هذه الفترة ينعمون بكافة الخدمات المقدمة من قبل المتطوعين من غذاء ومبيت يومياً وعلى مسافة تمتد لأكثر من مئة كيلو متر وهذه الجهود من أموال خاصة يتبرع بها الناس دون تدخل حكومي، فضلا عن ان هذا المسير يصاحبه وضع امني غير مستقر إذ ان جميع من يسلك هذا الطريق معرض لخطر الموت الذي يهددهم به أصحاب الفكر المنحرف.
ومع كل هذه المميزات، يشيح الاعلام الغربي بنظره عنه لاسباب كثيرة، مما يؤكد لنا حقيقة ان نهضة الحسين(عليه السلام) كانت وستبقى الحد الذي يميز النفوس المريضة التي لا تطيق الخضوع للحق مهما ادعت انها تطلبه.

مقالات ذات صله