هشام أموري ناجي
أدى التطور الذي شهده العالم في جميع المجالات الى ازدياد ظهور التنوع في المعلومات التي تقدمها وسائل الإعلام إذ جعلها تنتقل من المجالات العامة الى المجالات الخاصة لترتقي بنفسها الى درجة التخصص سواء مضمونا أو جمهورا ، ولأهمية التخصص واقبال الجمهور على المعرفة المتخصصة ازداد اهتمام المؤسسات الإعلامية بالموضوعات المتخصصة إذ اصبحت تشكل معظم مواد الصحف وبرامج الإذاعة والتلفزيون ، بل دفع ذلك معظم تلك المؤسسات الى انشاء صحف وقنوات إذاعية وتلفزيونية متخصصة للرياضة والمرأة والفن والدين والأطفال وهو الأمر الذي يعبر بوضوح عن عصر الإعلام المتخصص.
وبما ان الفضائيات الدينية قد ازداد عددها في الآونة الاخيرة بشكل ملفت للنظر مما أدى الى تزاحم البرامج المعادة وتكرار بثها وتشابه مضمونها وعدم الاهتمام بنتاجات فنية كالدراما والبرامج الاجتماعية والرياضية الخاصة بالشباب وبرامج التي تعنى بأدب الطفولة والتعليمية وكل ما هو جديد للمتلقي مما حدى بالمشاهدين من نفور هذه الشاشات واللجوء الى فضائيات اخرى تتضمن برامج علمية وثقافية ودرامية وغيرها.
مجلة الولاية التقت ببعض الاعلاميين لرصد آرائهم حول دور الفضائيات الدينية المختصة في البيت والشارع العراقي وعدم التفاتة القائمين على هذه المؤسسات الاعلامية من اقامتة او افتتاح فضائيات تهتم بالشباب او الاطفال او الدراما.
تحليل منطقي للمشكلة
بدأنا تحقيقنا بالأستاذ عدنان العلوان استاذ الاعلام في كلية الامام الكاظم عليه السلام فتحدث قائلاً: مع بروز القضية الدينية في العراق الجديد وتصاعد الوتيرة الطائفية والتعددية المذهبية من جهة واختلاف الآراء الفقهية من جهة أخرى لعب الإعلام الديني دوره البارز وسخر الوسائل الإعلامية شتى للتعامل مع هذه القضية وما تحمله من أهمية كبرى، برزت أهمية الاعلام الديني بشكل واضح في ادارة سياسة البلد الداخلية والخارجية وبات هو الإعلام المؤثر في الفرد العراقي كفرد كمجتمع كامل بل وحتى فرض نفسه على التربية والتعليم وجوانب اخرى مهمة، وبغض النظر عن تأثيره الإيجابي أو السلبي كان الإعلام الديني ذا أهمية توازي أهمية العيش بالنسبة للفرد لاسيما مع الانتشار الكبير للتقنيات الحديثة والانفتاح الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي التي منحت الحرية والمساحة الكبيرة للتعبير عن الآراء وفتحت الأبواب على مصراعيها أمام كل افراد المجتمع التي زادت من أهمية تلك المواقع الإعلامية الخطيرة التي أصبحت كالسكين بيد المجنون) بل أصبحت قنبلة موقوتة ومتجددة.
ومن هنا أرى أن الإعلام الديني وبوسائله كافة لم يلب متطلبات الشارع العراقي بل على العكس أثر عليه سلبا وأرسله إلى واد بعيد عن ما يجري في الساحة السياسية، وهذا يأتي من أسباب عدة أولها ان هذا الإعلام هو إعلام موجه وليس ارتجالي أو متخصص وثانيا إدارة تلك المؤسسات مناطة لأشخاص غير متخصصين بالأعلام وهذا يؤدي بالعمل الإعلامي إلى الهاوية ويزيد من تأثيره السلبي (بقصد أو دون قصد) وثالثا والأهم هو الإعلام المقابل أو المعادي الذي يتفوق بكل شيء عن ما نزل للساحة الإعلامية من ادوات وتكنلوجيا وفنيين، هذا وغيره من الأسباب أدى إلى عدم الوصول بالإعلام الديني إلى بر الأمان أو إلى النتائج المرجوة منه، ورغم ان هناك من يصر ويكابر ويتحدى لأسباب شخصية ولجهل أو كما يقول المثل (تأخذه العزة بالإثم) وهذا ما يبقي الحال كما هو عليه بل يزيد من الشرخ الحاصل في جدار أهم مؤسسة في البلد.
برامج مستنسخة وآخرى محروقة
تقول الاعلامية الاذاعية سندس الكوفي: ان الإعلام الديني وحسب رأي اليوم لم يصل إلى المستوى المرجو منه بالرغم من الإمكانيات المتوفرة في بعض القنوات، إلا أنه لم يف بالغرض المنشود مقابل ما يبث من رسائل مغرضة الهدف منها النيل من اطراف لا تتوافق معه سياسياً او مذهبياً او عقائدياً هذا أولا، أما النقطة الثانية لم نلاحظ من هذا الإعلام أي نشاط تثقيفي حقيقي لزيادة الوعي المجتمعي يبث فيه من المواد التثقيفية الواضحة للرسائل الإسلامية التي وضعها ديننا الحنيف والتصدي لكل الثقافات التي من شأنها تهدم البناء الإسلامي من خلال ما نسمعه في هذا الوقت من وجود وتزايد حالات من الإلحاد بين الشباب والانحراف عن جادة الحق ولم تتجه الى انتاج برامج سينمائية ودرامية لكسب الشباب ونتعامل معهم بالأفكار الحديثة كونها الفئة الأكثر استهدافاً من غيرها في المجتمع الإسلامي.
كما يشير الاعلامي امير البركاوي: ان تعدد المؤسسات الاعلامية الدينية وفي البرامج نفسها التي تقدم في هذه قناة ما، تجدها في قناة اخرى واهمال جوانب اخرى تعدّ من اساسيات الإعلام كالكشف عن معاناة المواطن امام الراي العام وتقديم ما جديد للمشاهد، ولكن ما تقوم به هذه القنوات هو انعكس سلبا على المشاهد الذي يحب بدورة التجديد في الافكار المطروحة على الساحة الاعلامية ومرافقة التطور وعليه لابد من تخصيص فترة للبرامج الدينية وفترات لبرامج اخرى بالتساوي ومواجهة لكسب ود المشاهد كونه المستهلك الاخير للمادة الاعلامية.
الاهتمام بالكم وغياب النوع
بعد وصول الفضائيات ذات المحتوى الديني الى اعداد كبيرة في قائمة القنوات الفضائية بمضامين متشابه الى حد ما وبهذا الخصوص قال الاعلامي ارشد قسام: تعدّ اليوم القنوات الفضائية الدينية من اكثر القنوات عددا في قوائم البحث للبث الفضائي على شاشات التلفزة.. إلا أن هذا الكم من القنوات لا يؤدي الرسالة الإعلامية التربوية والدينية وذلك لأسباب عدة لعل من أهمها كونها تكاد تكون موجهة إلى عدد قليل من المتلقين دون أن تفرض نفسها كوسيلة اعلامية ذات تأثير عميق على رغبات المشاهدين وتطلعاتهم حيث أن استعمال الوسائل التقليدية في الوعظ والإرشاد بذات الطريقة المستخدمة في المساجد والجوامع.. والسبب الآخر هو تخليها عن ثقافة الصورة التي تقوم على جذب المشاهد بطريقة تحفيز الإبداع لا بطريقة التكرار والتقليد.. الإعلام الديني اليوم بحاجة إلى طرق إبداعية جديدة تجعل منه وسيلة اتصال تربوية وتثقيفية وإرشادات خاصة في وقت يفتقد فيه العمل الإعلامي إلى الاحترافية.
وللإعلامية سناء العلي رأي في اهمية الاعلام الديني للجمهور تقول :الاعلام الديني مهم جدا لإيصال الفكرة والمعلومة الصحيحة التي تخص المعاملات الدينية والفقهية، كما انه مهم في تمثيل شريحة كبيرة من المؤمنين الراغبين بالتبحر في القضايا الدينية وعرض المشاكل التي ممكن ان تحل من خلال المعرفة الدينية، الا ان من وجهة نظري الخاصة اعتقد ان هناك نوعا من التقصير في عمل البرامج الدينية إذ ان البرامج لا توجد فيها افكار جديدة ومنوعة ومشوقة للمشاهد، واعتقد يجب ان تختص القنوات في تقديمها للبرامج وان لا يكون هناك تداخل في البرامج بين الاسلامية والعلمانية والاخبارية وتضيع هوية القناة كما اتصور نتيجة التداخل في البرامج والتكرار الممل في الموضوع نفسه، بدأ المشاهد يمل القنوات الاسلامية ويتجه الى القنوات الدرامية والتقارير لعدم امكانية الاولى اشباع رغبة المشاهد وتوفير المتعة التي توفرها فضائيات اخرى.
قيادة غير مهنية
حتى نصل الى حلول للمشاكل التي وقعت فيها بعض المؤسسات الاعلامية وتلاقي اقبالاً من فئات المجتمع كافة وعندما سألنا الاعلامي عبد المنعم الحيدري عن مدى الحاجة الى هذا الاعلام اجاب قائلاً: نعم نحن بأمس الحاجة الى الاعلام الذي يسلط الضوء على الحقيقة. على اساس الابداع والمهنية، لا على اساس المحسوبيات و المنسوبية. حيث يتم توظيف من هم من خارج الاعلام , دون معرفة وخبرة.
واعتقد ان السبب اعلاه هو الذي جعل تلك المؤسسات الاعلامية تترهل ولم تتمدد حتى في مساحتها الخاصة بها، وبالتالي اصبحت البرامج عبارة عن (نسخ ولصق)، ليس اكثر.
انا اعتقد ان الاعلام الديني هو مطلوب جدا، من اجل ترسيخ العقيدة لدى هذه الاجيال الناشئة، التي تعتبر هي عماد الامة، لكننا للأسف، لم نضع الخطط المطلوبة لتحقيق الهدف اعلاه، والامر يعود للسبب نفسه، وهو وضع الشخص غير المهني الذي تنقصه الخبرة والعلم، في مراكز مهمة وذات مسؤولية عالية في المؤسسة الاعلامية.
نشرت في الولاية العدد 111