د. عقيل رشيد الاسدي
للتربية أثر مهم ومباشر في بناء الطفل وتوجيه أفكاره وأحاسيسه وعواطفه ومشاعره وتحقيق نموه وتكامله لكي يكون عضواً صالحاً ونافعاً في مجتمعه وقادراً على تحمل مسؤولياته من خلال تنمية شخصيته وجعلها في المسار التكاملي والارتقائي بحيث يكون الفكر سليماً والأخلاق أكثر دماثةً وكمالاً فيصبح الإنسان قادراً على التفاعل الإيجابي في الحياة.
ومما لا شك فيه أن التربية مسألة لاتهم الطفل أو أبويه فحسب, بل تهم الشعوب والمجتمعات والأمم بأسرها؛ لأن السلوك الفردي والاجتماعي يؤثر بعضه في بعض سلباً وإيجاباً, لذا فإن تربية الطفل بصورة عامة تعني العمل بصورة جدية في تغيير الوضع الخاص والعام للفرد والمجتمع.
ولما كانت التربية هي السبب الرئيس في تكامل الإنسان ورقيه الاجتماعي وحل معضلاته وأزماته العالقة وتحقيق سعادته وأهدافه, فلابد لها من أن تكون مبنية على أساس متين من التخطيط الصحيح والدراسة المنظمة النابعة من ثوابت الشريعة المقدسة ومبادئ الدين الإسلامي الحنيف ورغبات المجتمع وعاداته الحسنة وتقاليده المرموقة, وأن لا تكون الخطط التربوية مستوردة من الخارج من دون دراستها وتكييفها بما يلائم واقع كلّ مجتمع؛ لأن الأمم تختلف في الرؤى والمعتقدات والعادات والتقاليد, وما يصلح لهذه الأمة قد لا يصلح لغيرها بل ربّما يسيء إليها.
التربية والطفولة المبكرة:
إن أفضل مرحلة للتربية وتعلم السلوك الصحيح هي مرحلة الطفولة المبكرة، فالطفل في هذه المرحلة يكون سريع الاقتباس والتقليد والمحاكاة إذ يتلقى جميع حركات المربي وسكناته وأقواله وأفعاله بدقة.
يقول الإمام علي لابنه الحسن(عليهما السلام): (وإِنَّمَا قَلْبُ الْحَدَثِ كَالأَرْضِ الْخَالِيَةِ مَا أُلْقِيَ فِيهَا مِنْ شَيْءٍ قَبِلَتْه فَبَادَرْتُكَ بِالأَدَبِ قَبْلَ أَنْ يَقْسُوَ قَلْبُكَ ويَشْتَغِلَ لُبُّكَ لِتَسْتَقْبِلَ بِجِدِّ رَأْيِكَ مِنَ الأَمْرِ مَا قَدْ كَفَاكَ أَهْلُ التَّجَارِبِ بُغْيَتَه وتَجْرِبَتَه).
فيجب أن تستثمر هذه المرحلة بتعويد الطفل على النظافة والأدب والصدق وحب الخير والعطف وأداء الأمانة واحترام الآخرين، والابتعاد عن القول الفاحش والكلام البذيء وغير ذلك من الصفات السيئة، لأنه كما قيل: (من شب على شيء شاب عليه) فمن الصعب تغيير سلوك الأشخاص الذين لم يتعودوا في أيام طفولتهم على السلوك التربوي الصحيح.
دور الاسرة في التربية:
لذا نجد أن الدين الإسلامي قد أعطى أهمية كبيرة للأسرة وأكد على دورها المحوري في تربية الطفل وتكوين شخصيته، إذ هي المؤسسة الأولى التي ينشأ فيها الفرد، وقد ظهر هذا جلياً في أحاديث الرسول(صلى الله عليه وآله) وآل بيته(عليهم السلام) فقد عدّ النبيّ محمّد(صلى الله عليه وآله) التربية التي يقوم بها الأبوان حقاً للولد في عنق أبويه إذ قال: (حق الولد على الوالد أن يحسن اسمه ويحسن أدبه).
وفي موضع آخر قال(صلى الله عليه وآله): (أكرموا أولادكم وأحسنوا آدابهم يُغفرْ لكم)، وقد أكد الإمام علي(عليه السلام) على هذا المعنى بقوله: (لا ميراث كالأدب)، وبيّن ذلك الإمام علي بن الحسين(عليه السلام) في معرض حديثه عن مسؤولية الآباء قائلاً: (وأنّك مسؤول عمّا وليته من حسن الأدب، والدلالة على ربّه عزّ وجلّ، والمعونة له على طاعته ، فاعمل في أمره عمل من يعلم أنّه مثاب على الاحسان إليه، معاقب على الإساءة إليه)، والأحاديث كثيرة في هذا المجال ولسنا بصدد إحصائها.
التربية الدينية أفضل تربية:
إذن فالدين الإسلامي الحنيف قد فرض مسؤولية كبرى على الوالدين وهي تربية أبنائهم تربية لائقة مهذبة ليشقوا طريقهم في الحياة ويسعدوا فيها، وأفضل أنواع تلك التربية هي التربية الدينية، لأنها الأساس القوي في ترسيخ الجذور الاعتقادية عند الطفل واستقامة سلوكه, وتحسين خلقه وتنمية شخصيته وتقوية إرادته وفكره وتهذيب نفسه وروحه، وهو ما يؤدّي إلى تحقيق نجاحه في الدنيا وسعادته في الآخرة , وقد وضع الله جل وعلا أجراً كبيراً وثواباً عظيماً لجهود الأب في نطاق التربية والتعليم الديني على الرغم من كونه مكلفاً بها شرعاً وعقلاً, فقد أشار الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) إلى ذلك الأجر بأن بعض الناس يعجبون يوم القيامة من مكانتهم ومنزلتهم فيكون الجواب: هذه بتعليمكما ولدكما القرآن وتبصيركما إياه بدين الإسلام.
مسؤولية تجاه الأبناء:
فيجب علينا تحمل مسؤوليتنا تجاه أبنائنا، وأن لا نعاملهم بعنف أو نحط من كرامتهم أو نغفل عن العناية بهم أو العطف عليهم، أو عدم احترام شخصيتهم، لأن هذه الأمور تؤدي إلى انهيار شخصية الطفل وشعوره بالنقص فيتحول هذا الشعور إلى عقدة الحقارة وتبقى ملازمة للشخص طوال حياته، روي عن أم الفضل زوجة العباس بن عبد المطلب أنها قالت: (أخذ مني رسول الله(صلى الله عليه وآله) حسينا أيام رضاعه فحمله، فأراق ماء على ثوبه، فأخذته بعنف حتى بكى، فقال(صلى الله عليه وآله): (مهلا يا أم الفضل، إن هذه الإراقة الماء يطهرها، فأي شيء يزيل هذا الغبار عن قلب الحسين)، فكان الرسول (صلى الله عليه وآله) يرى أن الطفل يتأثر بالحدة والغلظة أو اللين والحنان وتنعكس في روحه النتائج سواء أكانت طيبة أم سيئة.
وما أحوجنا اليوم إلى الاقتداء بتعاليم نبينا وأهل بيته (عليهم السلام) وأن نرفق بأبنائنا ونعلمهم الرفق واللين والتسامح، ونجنبهم العنف والتطرف لنضمن مجتمعاً صالحاً، ومستقبلاً واعداً.
نشرت في الولاية العدد 77