شاعر وقصيدة.. السيد رضا الهندي

read

حيدر رزاق شمران

يعد الشاعر السيد رضا الهندي من شعراء النجف المبدعين الذين يوصفون برقة شعورهم وسعة خيالهم.
وقد تميز بذوق رفيع وانسيابية في العبارة وإبداعه الشعري في الوصف ورسم الصورة المعبرة، وقد شهد له بذلك كبار الأدباء والشعراء الذين عاصروه او الذين وقفوا على اثاره الأدبية والشعرية.

 

النسب والمولد:
السيد أحمد رضا بن محمد بن هاشم بن مير شجاعة علي التقوي الرضوي الموسوي المعروف بالهندي، عالم فاضل وشاعر قدير، قال عنه السيد جواد شبر في كتابه (أدب الطف): (شيخ الأدب في العراق والعالم الجليل المؤرخ البحاثة الشهير وهو ابن العلامة السيد محمد الهندي المتوفى عام 1323هـ وهو من مراجع التقليد آنذاك).
ولد سنة 1290هـ/1874 وهاجر إلى سامراء مع أبيه سنة 1298هـ حين اجتاح النجف وباء الطاعون، وواصل دروسه هناك، وكان موضع عناية المجدد الشيرازي لذكائه وسرعة البديهة وسعة الاطلاع، وبعد رجوعه الى النجف واصل جهوده العلمية على اساطين العلم حتى نال درجة الاجتهاد.

إبداعه الشعري:
يعد من الرعيل الأول لشعراء عصره وله مؤلفات عدة في العقائد والفقه وله ديوان شعري بحق أئمة أهل البيت(عليهم السلام)، وصفه الاستاذ جعفر الخليلي بالقول: (زاول الأدب زمناً طويلاً، فأبدع فيه إبداعاً كان المجلّي فيه بين جمع كبير من الأدباء والعباقرة في زمانه، ولقد ولع بالبديع ولعاً سما به إلى منزلة قلّ من ارتفع إليها من قبل، وإنّ لدي الكثير من الشواهد من نظمه ونثره، ومنها مقامات إذا شئتها شعراً كانت شعراً ببحور مختلفة وقواف مختلفة، وإن شئتها نثراً كانت نثراً مسجعاً أو مرسلاً، ولم يكن هذا غريباً بمقدار غرابة خلو هذه المقامات من التكلّف، فقد كان إمام البديع، وشيخ الأُدباء فضلاً عن كونه عالماً، ومن علماء الفقه المعروفين. وقلّما قرأ له أحد إلاّ شُغِف بشعره، وله تعلّق شديد بأهل البيت (عليهم السلام) إذ كان أعذب شعره فيهم(عليهم السلام) وكفى ذلك الفم الطاهر فخرا أن أنشد رائعته القصيدة الكوثرية التي لا يملّ الإنسان من تلاوتها، ولا تكلّ الاسماع عن سماع موسيقاها البديعة).

القصيدة الكوثرية:
وقد اخترنا من قصيدته الكوثرية هذه الأبيات:
سـوَّدتُ صـحيـفـة أعـمـالـي           ووَكـَلْـتُ الأمـرَ إلـى حَـيـدَر
هُـوَ كهـفيَ مـِن نُـوَبِ الـدُّنـيا        وشـفـيعيَ في يـوم المحـشـر
قـد تـمّـت لـي بـولايـتِـــهِ           نِـعَمٌ جَـمَّـت عـنْ أن تُـشكَـر
لأُصـيـبَ بـهـا الحـظَّ الأوفـى          وأُخَـصَّـص بالسـهـم الأوفـر
بالحِـفـظِ مـن النّـار الكـبـرى            والأمـن مـن الفـزع الأكـبـر
هـل يمـنعُـني وهـو السّـاقـي         أن أشـرب من حوض الكـوثـر
أم يـطـرُدُنـي عـن مـائــدةٍ            وُضِـعـت للقـانِـعِ والمُـعـتـَر
يـا مَـنْ قـد أنـكـر مِـن آيــا            تِ أبـي حـسـنٍ مـا لا يُـنكـر
إن كُـنـتَ لِجـهـلـكَ بـالآيــا             تِ جَحَـدتَ مَقـام أبـي شُـبَّـر
فـاسـأل بــدراً واسـأل أُحُــداً         وسَـلِ الأحـزابَ وسـل خـيبـر
مَـنْ دَبـّر فيـهـا الأمـرَ ومَــنْ          أردى الأبـطــال ومَـن دمَّــر
مَـن هَـدَّ حُصـونَ الشِّـركِ ومَن        شـادَ الإسـلام ومـن عَـمَّــر
قـاسُـوكَ أبـا حسـنٍ بـِسِــوا      كَ وهـلْ بـالطَّـوْدِ يُقـاسُ الـذَّرْ
أَنَّــى سـاوَوْكَ بِـمَـن نــاوَوْ            كَ وهـل سـاوَوْا نَعـلَيْ قَـنْـبَر
أفـعـالُ الخـيـرِ إذا انـتـشـرت        فـي النـاس فأنـتَ لها مصـدر
فاصـدَع بالأمـرِ فنـاصِـرُك الــ        ـبَـتَّـارُ وشـانِـئُـك الأبـتَـرْ
آيــاتُ جَـلالِـكَ لا تُـحْـصَــى           وصِـفاتُ كـمـالِـكَ لا تُحـصـر
فـاقـبَـلْ يـا كـعـبـةَ آمـالـي         مِنْ هَـدْيِ مَديحي ما اسـتَيْـسَـر

لمحات من القصيدة الكوثرية:
تميزت القصيدة الكوثرية برقة معانيها وإيحاءاتها الجميلة التي تدخل قلب المتلقي لتلامس أحاسيسه ومشاعره مستشعرا بافكاره الفضائل العظيمة لأمير المؤمنين(عليه السلام).
ففي البيت الأول الذي مما اخترناه، يتناول الشاعر باسلوب رائع مكانة أمير المؤمنين في قلوب محبيه بتمسكهم بحبله المتين، وفي البيت الثاني يؤكد على انه(سلام الله عليه) يمثل الملجأ الذي يعتصم به المؤمنون من آفات الدنيا والآخرة، ويذكر في البيت الثالث والرابع والخامس مسألة الولاية التي تمثل محورا عقائديا يجب الإيمان به وبضرورياته فبه يكمل الدين وتتم النعم.
وفي البيت السادس يتساءل الشاعر مستغربا برقة اسلوبه: هل سأحرم فضل هذا الولي العظيم يوم القيامة، وقد أشار بذلك إلى رمزية (الحوض)، مؤكدا في البيت السابع أن ذلك الكيان العظيم لن ينسى السائلين المفتقرين إلى حياضه.
ثم شدد شاعرنا النكير على الذي أنكر فضل أمير المؤمنين(عليه السلام) بعد أن ملأ فضله الخافقين، كما في بدر وأحد والخندق وخيبر، ويشير متألما الى الذين ساووا امير المؤمنين بسواه ممن لا يقف معه على درجة واحدة من الفضيلة.
بعدها يختم ابياته في ذكر فضائل لامير المؤمنين(سلام الله عليه) بعبارات رقيقة واسلوب يقل نظيره.

 

نشرت في الولاية العدد 78

مقالات ذات صله