محراب جامع الرأس

gdf

فائق الشمري

قبالة القبلة، وباتّجاه نظرات المصلّين، يطالعهم ويتأمّلونه، زوايا دقيقة، وزخارف جميلة.. لوحة يمتزج فيها لون السماء بلون التراب فتنطق حروف القرآن من الأديم القاسي، وتردد صدى ابتهالات الذين مروا أمامه (رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا).
حجر يعد من أقدم الشواهد التراثية على عراقة بناء صار قبلة للمحبين، بل هو أقدم قطعة تاريخية متبقية من العمارات القديمة لهذه البقعة الطاهرة.
يقع هذا الحجر في ركن الصحن الحيدري من جهته الغربية باتجاه الجنوب، صنع من الحجر القاشاني ذي البريق المعدني الذي ظهر وانتشر في أرجاء العالم الاسلامي منذ القرن الثالث الهجري وحتى القرن الثاني عشر الهجري.
نُقشت على هذا الحجر زخارف نباتية وكتابات بارزة بالخط الكوفي بطريقة فنية غاية بالروعة، ويتكون من ثلاث قطع: القطعة العُلوية على هيأة رأس مقبّب مزخرفة بالزخرفة النباتية البارزة باللون الأزرق، ويتدلى في وسط البلاطة السفلية عقد على هيأة مشكاة.
تطوق المحراب آيات كريمة من سورة البقرة بخط الثلث هي: (بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بالله وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ )، ثم أكملت الآية في وسط المحراب داخل ساحة العقد وهي: (وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).
ارتبط هذا الحجر بتاريخ تأسيس مسجد الرأس الذي يُرجع بعض المؤرخين تأسيسه مع اطلالة القرن الحادي عشر الهجري، اذ امتاز هذا المسجد -شأنه شأن باقي معالم العتبة- بهندسة فنية رائعة، وسعة وفخامة في المنظر، حتى اصبحت الحضرة المقدسة آية من آيات الفن الإسلامي الأصيل.
ويحتمل بعض الباحثين ان تاريخ تأسيس المسجد يعود الى عصر الاليخانيين(المغول)، إذ شيد في اوائل القرن الثامن الهجري في الفترة التي اقيمت بها عمارة جديدة على المرقد العلوي بعد احتراق العمارة القديمة، ويذهب الشيخ محمد حرز الدين الى القول: (ان هذا المسجد عرف بمسجد الرأس بناه غازان بن هولاكو خان(المتوفى سنة 703هـ) أقام لبنائه سنة كاملة، ضاربا خيامه بين النجف ومسجد الحنانة في الثوية حتى أكمله)..
هو حجر موجود اليوم في خزانة العتبة العلوية المقدسة، يقبع بين مجموع نفائسها بكل ما لها من تاريخ وذكريات، وينتظر ان يعود لمكانه في جامع الرأس الشريف.. ويكون شاهدا على عراقته من جديد.. انه محراب جامع الرأس.

 

نشرت في الولاية العدد 79

مقالات ذات صله