تجليات الآخر الإنساني وطرق التعامل معه

adfadsfasdfالشيخ ليث العتابي

 

الآخر الإنساني: هو الآخر المشابه في الخلقة وفي الطبيعة الإنسانية بغض النظر عن اللون واللغة واللهجة.
وقد احتل الآخر في الفكر الإنساني مساحة كبيرة، فهو (النظير في الخلق)، والأخ في الخلق، والأخ في الإنسانية، فهذا الآخر شريك معنا بالأصل وبالإنتاج وبالتراث الإنساني، ذلك التراث الذي خلفه بنو الإنسان جميعا، وبالدقة هو التراث الذي خلفه الإنسان بما هو إنسان بغض النظر عن اللون والانتماء والمكان والزمان.
وللآخر الانساني تجليات لا بد من الوقوف عندها لمعرفتها، لمعرفة كيفية التعامل معه بحسب هذه التجليات.

 

والمراد بالتراث الإنساني هو: (ما تراكم خلال الأزمنة من تقاليد، وعادات، وتجارب، وخبرات، وفنون، وعلوم، من شعب من الشعوب..). اذن فالتراث الإنساني هو ما يملكه جميع البشر بلا حدود او قيود او معوقات او طبقيات، وبلا أي حواجز مصطنعة.
الوحدة الإنسانية
وبشكل عام فالآخر إما انساني او ديني او معرفي، ونحن في المجال الإنساني نلتقي مع جميع البشر بدون استثناء وبلا تمايز أو تفاضل، فكلنا اولاد آدم، وآدم خلق من تراب، فليس هناك جنس راقٍ أو جنس عالٍ ولا جنس متدنٍ، فلا طبقية ولا تميز او تمايز بين البشر ابدا، فالكل بشر والجامع هو الوحدة الإنسانية.
وبحسب هذا القسم لا بد لنا من ان نتعامل مع الجميع وفق هذا الجامع المشترك بيننا، ولننطلق منه نحو وحدة حقيقية تذيب الحواجز وتبدد كل الخلافات، فإننا وإن لم يجمعنا الدين أو فكر وعلم ومعرفة، فإن الجامع المشترك بلا شك هو الإنسانية شئنا أم أبينا.
ولكن -بشكل عام- ما هو النهج الذي يمكن ان نتبعه في التعامل مع الآخر؟
الجواب: إن أمامنا طريقين لا ثالث لهما في كيفية التعامل مع الآخر هما:
اولا: حكم الدين:
في جانب الآخر الديني ـ ان الدين الإسلامي ـ على سبيل المثال ـ قد بين لنا كيفية التعامل مع الآخر.
وقد ورد ذلك في القرآن الكريم بشكل مجمل، وورد في أحاديث النبي(صلى الله عليه وآله )وأهل البيت(عليهم السلام) بشكل أكثر تفصيلاً.
ثانيا: حكم العقل:
وهو مساوق لحكم الطبيعة الإنسانية، ولقد اقتضى حكم العقل والطبيعة الإنسانية ان نتعامل مع الآخرين تعاملا كاملا، وتعاون وتعامل شراكة، فنحن شركاء إما في بلد واحد أو في لغة واحدة أو في مذهب واحد أو في كوكب واحد، وإلا فإننا شركاء في طبيعة واحدة هي (الطبيعة الإنسانية).
العلاقة المتشنجة بين المسلمين وغيرهم:
وهنا لا بد لنا من أن نعطي للموضوع أهمية كبيرة وتفصيلا أكثر، وبالخصوص للمسلمين الذين يعيشون في البلدان الأجنبية، اذ انهم يعيشون مع اكثريات عرقية ودينية مختلفة عنهم في كثير من الأمور، فماذا يصنعون، وكيف يتعاملون معهم خصوصا مع وجود خطاب متشنج بين الطرفين؟
للجواب عن ذلك بشكل عام نقول: ان التشنج الموجود بين اتباع الدين الإسلامي واتباع باقي الديانات خلقه اشخاص ليس لديهم فهم صحيح للدين بشكل عام، وليس لديهم فهم صحيح للدين الإسلامي بشكل خاص.
والموجود على الساحة هو من خلق اشخاص يجهلون الدين الإسلامي، ومن اشخاص في عدد لا بأس به من الأمثلة هم ـ في الحقيقة ـ عملاء لوكالات الاستخبارات العالمية، بغية الوقوف في وجه الدين الإسلامي او المد الإسلامي ـ كما يحلو للبعض التعبير ـ لغايات ومبررات واضحة في بعض الأحيان، وغير واضحة في أحيان أخرى.
الخطاب الأعور :
إن الخطاب الداعي الى التركيز ـ من بعض دوائر وشبكات الإعلام ـ على التعصب لدى بعض الجماعات الإسلامية وما فعلوه بالمسيحيين او اليهود أو غيرهم، وجعلوه سمة للإسلام بوجه عام هو خطاب اعور، فأين هم من الفضائع التي ارتكبتها جملة من الجماعات المسيحية واليهودية وغيرهم بحق المسلمين عبر التاريخ الطويل، ولو عقدنا مقارنة عادلة لكان نصيب المسلمين من الاعتداءات اكثر من غيرهم بأضعاف مضاعفة بدء من سقوط الأندلس وما رافقها من هجمات فرسان الكنيسة، مرورا بمذابح بورما والعراق وافغانستان ولبنان وغير ذلك من قائمة طويلة لا تنتهي.
فنحن ندعو ابناء الدين الإسلامي الى الالتزام بالتعاليم الحقيقية للدين، وبأصول التعامل الإنساني التي وضحها القرآن الكريم في أكثر من آية، التي تجلت في تصرفات النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الكرام(عليهم السلام) فلقد كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) القمة في التعامل الإنساني، ولقد كان يطرح خطابه بكل بلاغة بأسلوب لين ومنطق حسن من الأدلة والبراهين التي لا يختلف فيها العقلاء أبدا، بخلاف اعدائه الذي تميزوا بالخطاب المتشنج واسلوب الاتهام والاستهزاء والتحريض، ونجد انه(صلى الله عليه وآله) في الرسائل التي ارسلها الى الملوك في ذلك العصر قد انتهج الاسلوب الحسن في التعامل معهم فكتب رسائله مقدماً اياها بتبجيلهم واحترامهم فقال: (إلى كسرى عظيم الفرس) و (إلى هرقل عظيم الروم) و (إلى المقوقس عظيم القبط).
وروى البخاري ان النبي(صلى الله عليه وآله) مرت به جنازة فقام، فقيل له انها جنازة يهودي، فقال(صلى الله عليه وآله): أليست نفسا؟ وقال(صلى الله عليه وآله): (ألا من ظلم معاهدا أو كلفه فوق طاقته او انتقصه أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفسه فأنا حجيجه يوم القيامة).
التطبيق والفهم غير الصحيح:
ونرجع ونقول ان الخلل وأسباب التشنج الموجودة بين اتباع الدين الإسلامي وباقي الأديان الأخرى يحدث بسبب (المتصدين الذين يتحدثون باسم دين الإسلام) أو بسبب (المطبقين له) أو كليهما معا، وذلك لأن كليهما يفتقر الى الفهم الصحيح لحقيقة الدين الإسلامي، وصار بسبب هؤلاء دينا يكفّر الآخرين فقط.
والمصيبة انك تجد شخصا ما يصعد سيارة ألمانية ـ على سبيل المثال ـ ويضع ساعة سويسرية، ويلبس ملابس انكليزية، ويضع عطرا فرنسيا، ويتكلم بميكرفون اجنبي، ويصعد على منبر خشبه من دولة أجنبية ويخطب داخل مسجد مواد بنائه من دولة أجنبية، ثم يلعن ويكفر الغرب ويكفر غير المسلمين ـ بل المسلمين أيضا ـ ويقول: ان ربطة العنق حرام والتعامل مع الغرب حرام وقراءة كتب الغرب ودراسة نظرياته وعلومه ضلال!
ومثل هؤلاء الجهلة في حقيقة الأمر يريدون تعطيل الحضارة ومنع التطور ورفض التقدم مع تمتعهم بكل أنواع النعيم الغربي، إنهم في الحقيقة يسعون لتجهيل العقول لكي لا ينافسهم احد، ولا يزايد على مكاسبهم أحد، وما حالهم إلا كحال الكنيسة في العصور الوسطى.

 

نشرت في الولاية العدد 81

مقالات ذات صله