الشعور الديني وسماته العامة لدى الطفل

حفظ-القران (1)

د. خليل المشايخي

ان اداء الفرائض وممارسة الطقوس الدينية عند الطفل ليست الا تقليدا ومسايرة للمجتمع، وفي هذه المرحلة يجد الطفل ان الدين شكلي (لفظي وحركي) أي ان اداء الفرائض الدينية انما هو مسايرة لما هو متعارف عليه في المجتمع، لأن الطفل ليس بامكانه في هذه المرحلة ان يستحضر عظمة الله تعالى في صلواته وما الى ذلك،  كما نجده في المراحل الاولى من عمره يتخذ من ادائه للفرائض الدينية سببا لتحقيق منافع يصبو اليها، ولا يفوتنا تأثر الطفل بالبيئة الاجتماعية التي ينشأ فيها، فإذا وجد الطفل ان المجتمع الذي يعيش فيه ملتزم دينياً فإنه يشبّ وينمو على أساس هذا الالتزام.

النمو الديني في مرحلتي الطفولة الوسطى والمتأخرة
كلما اصبح تفكير الطفل موضوعيا فان الدين ياخذ مكانه في عقله، ويزيد في التكوين العقلي ثبات واستقرار فكرة الالوهية، وفكرة الخلق والبعث والخلود، وما يتعلق بذلك من الرسل والانبياء والملائكة.
وان ارتفع مستوى الطفل العقلي والفكري كان الدين في تصوره يميل الى البساطة والوحدة ويبتعد عن الانفعالات المتداخلة، ويقترب من التصورات المنطقية والافكار العقلانية لان الطفل في سنواته العشر الاولى من عمره يكون حسيا والدين في نظره هو ما يفيد احساسه، بمعنى ان علاقة الطفل بالدين تكون علاقة نفعية لطرف واحد هو الطفل، أي علاقة نفعية انانية، فيخرج الطفل من حدود ذاته الضيقة اذا زادت قدرته على التفكير الموضوعي المتوازن.. ثم ينتقل الى مرحلة فكرية اكثر موضوعية يتمكن فيها من ادراك ان (الله رب العالمين وليس ربه هو وحده) وان الدين الذي يعتنقه الطفل وهو دين اسرته، تعتنقه اسر كثيرة، وان هناك اسراً تتبع اديانا اخرى.

النمو الروحي للطفل
يستلزم النمو الروحي للأطفال اشياء كثيرة منها: ان ينشا الطفل على الايمان بالله وان يبتغي مرضاته في كل المواقف والاحوال، وان يعرف الطفل مبادئ الدين الاساسية متحررا من الخرافات والتعصب، وان تبنى عقيدته على اسس سليمة من الفهم والممارسة عبادة وسلوكاً، وان يتربى على يقظة الضمير وعلى الايمان بالفضائل الخلقية والقيم الصالحة والتمسك بها، كما يجب ان يتربى على حب الخير، وبذل المعونة للمحتاج، وان يتسلح بالعزيمة والمثابرة والقدرة على مواجهة الحياة في تفاؤل وثقة بنفسه وربه.
ولو وقفنا على اهم ما يجب على الاباء حيال ابنائهم فنقول انه على الوالدين ان يتخيروا لهم الاسماء الحسنة، وان لا يقصّروا في تنشئتهم النشأة الحسنة والانفاق عليهم حتى يبلغوا السن الذي يستطيعون فيه الاعتماد على انفسهم، ومن الواجب على الوالدين ان يعلموا ابناءهم الحلال والحرام وان يعرفوهم بأمور دينهم بالشكل الامثل، ويربوهم على العادات الاسلامية والآداب الاجتماعية الحميدة والحرص على اداء الفرائض الدينية والطاعات منذ صغرهم.
وعليهم ان يعدلوا بين ابنائهم في الامور كلها ونلمس ذلك في قول الرسول محمد صلى الله عليه واله (ساووا بين اولادكم في العطية، فاني لو كنت مؤثر احداً لآثرت النساء على الرجال)، وان يرفقوا بأبنائهم ويعاشروهم باللطف والرأفة، وان يعلموهم علما ينتفعون به، او خدمة صالحة، فانهم خلقوا لزمان غير زمانهم، وان يدعوا لهم بالخير، ومما يروى عن الرسول(صلى الله عليه وآله) قوله: (دعاء الوالد لولده كدعاء النبي لأمته).

الدين مظهر فطري
الدين مظهر فطري في الطبيعة الاجتماعية للإنسان، وفي ذلك يقول الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله): (كل مولود يولد على الفطرة، وانما ابواه يهودانه او ينصرانه او يمجسانه).
لذا فان الابوين يتوليان – نيابة عن المجتمع- غرس هذا الدين في ذات الطفل ولذلك نجد أن الشعور الديني لدى الطفل يأخذ بالنمو والتطور مع تقدمه في العمر، فيخضع للارتقاء التدريجي للشعور الديني، وكلما نما الطفل وارتقى في سنوات عمره فانه يرتقي في تفكيره وفي سلوكيته.. ومن الطبيعي ان يقع تحت تأثير حب الاستطلاع، فنجده يتساءل عن كل شيء يقع في مجال بصره او ادراكه او ملاحظته.. والمتتبع يلمس ان الطفل يجد الصعوبة كل الصعوبة في فهم الاجابات التي تتصل باشياء مجردة كما نجد الطفل لا يتوقف عن السؤال حتى يفهم ما يسأل عنه.
ولا بد من الاشارة الى اهمية دور برامج الاطفال في اشباع حاجات الطفل التي يقف عليها ويسأل عنها، على ان نستغل هذه البرامج في تهذيب الطفل وتقويمه وتوجيهه الوجهة الصحيحة التي تجعله يقف على القيم السليمة واكسابه القدرات اللازمة حتى يتمكن من تحويل القرارات النظرية الى فعل.
ويمكن لبرامج الاطفال ان تشبع حاجة الطفل في المشاركة الوجدانية من خلال قصة او حدث مشوّق يعرض عليه، وبذلك تروج القيم الأصيلة التي يراد من الطفل ان يتعلمها ويتأثر بها في اتجاهاته السلوكية الاخلاقية التي تحدثها وسائل الاعلام المغرضة التي يتعرض اليها من دون قصد مسبق.
ويجب تعليم الطفل في هذه المرحلة الحرص على مشاعر الآخرين والابتعاد عن إلحاق الاذى بهم، كما يستطيع من خلال برامج الطفل الموجّهة اليه احترام والديه واحترام الكبير.. وان توقظ فيه ضميره ليكون حيا دائما وان يفكر بطريقة ناضجة على المستوى الاجتماعي وليس على المستوى الشخصي حتى يبتعد عن الانانية ويقترب من قيمة الايثار. واخيرا فان تربية الطفل واشباع احتياجاته الانسانية المتنوعة تستلزم وجود تعاون بين المنظمات الاجتماعية والتعليمية والاعلامية المختلفة التي ينشأ الطفل في اطارها.

مقالات ذات صله