رياض مجيد علي
ما أن تتجول في أروقة العتبة العلوية المقدسة حتى تصعد إلى مشامك رائحة زكية لم تشمّها في مكان آخر، ترافقك هذه العطور طوال أدائك مراسم الزيارة لمولى الموحدين أمير المؤمنين(عليه السلام).
كما يصاحب تلك النسائم رياح تحمل رذاذا منعشا يلامس وجوه الزائرين، وما أن تصل إلى الضريح المقدس حتى تحتضنك موجة أخرى من الروائح الزكية التي تنطبع في ذاكرتك ولا تفارقك حتى تعود مرة أخرى لهذا المكان المقدس.
كلّ هذه يتطلب جهودا لتنظيم العطور في الحرم المقدس وإعطائها الروح النابضة بحب المولى (عليه السلام) ليستنشقها العاشقون، وكلّ هذه الجهود تقوم بها ثلة مؤمنة من خدم أمير المؤمنين(عليه السلام) اعتلوا منصة الشرف وانحنوا تواضعاً في هذا المكان ليقدموا ما بوسعهم من خدمة للزائرين الكرام، إنهم منتسبو وحدة التعطير في العتبة العلوية المقدسة.
وبعد أن ركبت المصعد المخصص لصعود خدام العتبة إلى المكتبة وسطح العتبة وإذا بي أطلّ من على سطح الصحن الشريف على جنة عرضها السموات والأرض، نعم إنها جنة أمير المؤمنين(عليه السلام)، وبعد السؤال عن موقع هذه الوحدة استقر بي الأمر بين السيد نبيل نعمة الذبحاوي وبعض منتسبي الوحدة ليدور بيننا هذا الحوار الهادئ:
لابد لنا في بداية الحوار من أن نسأل عن بدايات نشوء فكرة التعطير في هذا المكان المقدس فقال السيد نعمة:
بدأت فكرة التعطير في العتبة بحدود مسؤوليات الوحدة عام (2009) إذ كان المشروع الأول في العتبات المقدسة في العراق بهذه الكيفية التي ترونها اليوم شاخصة داخل العتبة.
كلما مرّ الزائر في الأماكن التي تحيط بالعتبة المقدسة او داخل الصحن الشريف وفي جميع الأوقات تصل إلى مشامه هذه العطور الزاكية فكان السؤال عن أوقات التعطير فبادرنا السيد نبيل بهذه الكلمات:
خدمة الزائرين لا تقتصر على وقت معين فخدمة الزائرين شرفٌ ما بعده شرف تهواه القلوب وتهفو اليه الأرواح وهو من أهداف العاملين في وحدة التعطير لذا لا يمكن حصر جهودهم في أوقات معنية فهي على مدار (24) ساعة من كل يوم على قلة عددهم.
ثم جاء السؤال التالي عن الأماكن التي يتم فيها التعطير فسارع السيد للإجابة قائلاً:
أهم الأماكن خصوصية هي تلك التي تضم الجسد الطاهر لأمير المؤمنين(عليه السلام) والتي يتمّ تعطيرها من قبل بعض المتبرعين مع إمكانية القيام بهذا الإجراء من قبل أفراد كادر الوحدة.
أما المساحة التي تشغلها الوحدة في الأداء فهي تظم ستة مواقع وهي كالاتي: موقعان داخل الصحن الشريف وأربعة أخرى موزعة من رصيف باب القبلة الى نهاية صحن الإمام الحسين(عليه السلام) من جهة عارضة الجواهري مروراً بباب الساعة مع مداخل شارع الإمام الصادق(عليه السلام) وشارع الإمام زين العابدين(عليه السلام) يضاف الى تلك المواقع إضافة مراوح تعطير أرضية عدد (21) على جدار الصحن الشريف جهة صحن الإمام الحسين(عليه السلام) لكثافة تواجد الزائرين أولاً ولسعة المكان ثانيا.
وللوحدة نشاط في تجهيز أقسام العتبة بمادة العطر ذات الإحتكاك المباشر بالزائرين واليوم ننوي توسيع هذا المبدأ بوساطة سياق يحفظ لجميع تلك الأقسام إستحقاقهم عبر تزويد القسم بطلبات رسمية مع ذكر المخولين بإستلام العطر لحاجتنا الى دراسة نعتمد فيها على مدى فاعلية الوحدة في سد حاجة الأقسام أولاً وتوسيع التعامل خارجاً وكي تساهم في توفير الأموال لو تم شراء العطر من الأسواق المحلية.
ثم استكملنا الحوار مع السيد نبيل فكانت هذه الاسئلة:
من أين تأتون بالعطور؟
العطور تأتي عن طريق متبرعين ابرزهم الحاج أنور من كربلاء المقدسة والحاج جواد الطالقاني من الناصرية والحاج رافد الربيعي من العمارة وقد كان للأخير دورٌ بارزٌ بتجهيز مبيعات القسم بالعطور وبأسعار الكلفة من دون أرباح.
ما أهم أنواع العطور المستخدمة؟
العطر المستخدم هو تركيبة يعدها الأخوة المتبرعون خاصة بالأضرحة المقدسة وكان ذلك على مدار السنوات الماضية والجدير ذكره أنّ هذه العطور المستخدمة في العتبة العلوية المقدسة لا يباع منها في أي مكان وتأتي بكميات تصل الى (250كغم) لكل شهرين.
هل هناك عطر خاص بالعتبة لا يوجد في مكان آخر؟
يتم تجهيز هذه العطور من قبل الحاج أنور لكونه تركيبة خاصة بضريح الإمام الحسين(عليه السلام) سابقاً واليوم تستخدم في ضريح الإمام علي عليه السلام ولا يوجد في أي مكانٍ آخر.
هل تقدم بعض هذه العطور كهدايا من قبل العتبة للزائرين؟
لا يمكن إهداؤه وهو بحاجة الى إذن وترخيص من الواقف وذلك إذا توسعت دائرة العمل معه ليبقَ العمل على ضوء الإشتراط والأمر عائد إليه مع مساهمته في أكثر من مناسبة برفد الهدايا والنذور لكمية مركزة من العطور كتبرك للزائرين وللقسم أيضاً ولكن ليس مشابهاً للمُستخدم تماماً… فقد يكون مخففاً.
هل هناك أفكار مستقبلية لتطوير هذه الوحدة والعمل فيها؟
من الأفكار المستقبلية تولي مهام التعطير في العتبة بالكامل ونمتلك في القسم خبرات لا بأس بها على صعيد التنفيذ للمداخل المؤدية الى الحرم بحسب توصية سماحة الأمين العام (دام توفيقه) ومتابعة السيد رئيس القسم الأستاذ أثير جبار دهش ونائبه السيد حيدر حبل المتين وقد قطعنا في هذا المجال شوطاً في استملاك عقار لأحد المواقع حيث يتحمل مسؤولية تغطية أربعة مواقع بتفرعاتها المتنوعة وهذا من أهم الأفكار مع طبيعة التوسع الذي تشهده الوحدة حالياً كمساهمة في معرض مبيعات العتبة العلوية الخاص بالقسم ونشاط الوحدة في التواصل مع المتبرعين والاهتمام بهم مع شوقهم الدائم في المشاركة بشرف التعطير في هذه الأماكن المقدسة.
ما شعوركم وأنتم تتشرفون بوضع هذا العطر في الضريح المقدس أو في الأروقة المقدسة؟
في الواقع شعورٌ لا يمكن للساني العاجز أن يصفه وأقل ما يُقال فيه انه تاجٌ نتشرّف بوضعه على قمم قلوبنا لنقول لصاحب هذا المقام الشريف: {يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ}
ما أهم احتياجات هذه الشعبة للإرتقاء بها إلى الأفضل؟
تصنيف العمل في هذه الوحدة على صعيد الإدامة والصيانة الميكانيكية والكهربائية والمتابعة لاحتياجاتنا والتنفيذ والتطوير، مع مالها من دور في التنسيق مع المتبرعين فالوحدة وعلى مدى أكثر من سبع سنوات استطاعت أن تؤدي ما عليها من مسؤوليات في نثر هذه العطور في هذه الأماكن المقدسة ولله الحمد.
ماذا تقول للزائرين لمرقد الإمام (عليه السلام) وهم يشمون هذه العطور المميزة؟
أقول لهم إياكم أن تنسوا عشقكم لمولاكم أمير المؤمنين(عليه السلام) فهو الذي سيسقيكم من رحيق الجنان ويعطيكم صك البراءة من النيران وهو قسيم الجنة والنار وستتذكرون هذا العشق عندما تشمون هذه العطور الزكية التي ستحتفظ بها ذاكرة حاستكم الشامة ولا تنسوننا نحن خدمة أمير المؤمنين(عليه السلام) من خالص دعائكم..
نشرت في الولاية العدد 100