ضرورة وأهمية التربية

الشيخ جميل البزوني

إن التربية في حياة الطفل ليست عملا يستطيع الأبوان أن يختارا بين القيام به وبين تركه؛ وذلك لان دور التربية في حياة الطفل يشبه إلى حد كبير الماء الذي تحتاجه الأرض المزروعة حتى تنتج ففي الوقت الذي لا يمكن للأرض أن تنتج من دون سقيها بمقدار من الماء كذلك سلوك الطفل لا يمكن أن يتطور بالاتجاه الصحيح ما لم يسعفه الأب بكل مقومات الانضباط السلوكي من مراقبة للسلوك وتعليم للمفاهيم وتصحيح للأخطاء.

في حياتنا اليومية نجد أن أكثر المنحرفين عن الجادة هم الأفراد الذين لم يتلقوا تربية صالحة من أبويهم ومن الطبيعي أنّ مسيرة حياة الإنسان الحضارية تُبْنى على أساس الانضباط السلوكي وليس على أساس الفوضى والانفلات.
أمّا الفطرة الإلهية الأطفال يبحثون أحيانا عن التربية لأنهم يشعرون بأهمية وضرورة أن تكون هناك جهة تهتم بسلوكهم وتقوم هذا السلوك وبالتالي تحميهم من الأمراض الاجتماعية التي تملا جميع المجتمعات البشرية في كل زمان ومكان.
ولعل سائل يسال حول أهمية مثل هذه العملية خصوصا ونحن نرى عزوف كثير من الناس عن البحث عن مفردات هذه العملية ونجد في الوقت نفسه أن المسيرة البشرية والمجتمعات باقية وغير متأثرة بوجود مثل هذه المفاهيم في الأذهان بهذا المستوى المطروح؟
الجواب عن ذلك:
إن دور التربية في حماية حضارة الإنسان من الاندثار ليس أمرا قابلا للإنكار لاسيّما ونحن نرى أن مسيرة الإنسان الحضارية فيها جانبان الأول هو الجانب المادي والثاني هو الجانب الإنساني.
وعندما نركز النظر على الحضارة الإنسانية سنجد أن الجانب الإنساني حاله كحال الجانب المادي التقني يشكل ركنا أساسيا من أركان الحضارة الإنسانية ولا يمكن لنا أن نفتخر بحضارة تهتم بجانب دون آخر.
ولعل التعبير الصحيح عنه هو التطور التقني فان التطور التقني في نفسه ركن أساسي ونتيجة طبيعية لإبداع الإنسان في الحياة لكنه ليس الركن الوحيد في الحضارة البشرية فان الركن الآخر وهو الجانب الإنساني لا يقل أهمية عن الجانب المادي.
ومن هنا نحن نختار الاستفادة من التطور التقني في حياة الشعوب من دون أن نتنازل عن الجانب الإنساني لان اخذ الجانب المادي ممثلا للحضارة أمر خاطئ ولهذا عندما تطورت الحياة الصناعية من دون الاهتمام بالجانب التربوي ظهرت على مدى السنوات تيارات فكرية هدفها القضاء على بعض الأجناس البشرية في ظاهرة عدوانية غاية في الغرابة.
ولهذا كان التوجه الإنساني في عملية التربية هو للحفاظ على حجم العدوانية في النفوس البشرية منذ الصغر، لان زيادة هذا الحجم افرز على مدى التاريخ البشري أشخاصا أرادوا حرق الدنيا ومن فيها وهنا تكمن أهمية الجانب التربوي في حياة الإنسان فان رغبات الإنسان دائما في حاجة إلى تهذيب وضبط سلوكي على مستوى العمل الخارجي وعلى مستوى الجانب النفسي الذي بهمل الكثير من الآباء الاهتمام به غفلة أو جهلا فيدمروا نفوس أبنائهم وهم يظنون أنهم ليسوا بمقصرين.
ونتيجة الأهمية الكبيرة للتربية في حياة الإنسان على مستوى الفرد وعلى مستوى المجتمع الإنساني ظهر الاهتمام عند كثير من التربويين ببيان أهمية العمل التربوي في حماية المجتمع الإنساني من ظهور أشخاص غير منضبطين من ناحية السلوك وكذلك على المستوى الفردي الذي سيدفع ثمنه أولا اقرب الناس إلى الابن وهو الأب والأم وبقية أفراد الأسرة.
وبما أن كيان المجتمع الإنساني يتأثر بوجود أي خلل في شخصية الأبناء فعلى الأبوين أن يشعرا بأهمية العمل الذي يقومان به في حماية أبنائهم من المصير المأساوي في الدنيا والآخرة وكذلك حماية المجتمع من ظهور حالات عدوانية قد تؤدي إلى القضاء على كثير من الأنفس والأموال والشواهد على وجود أشخاص من هذا النوع لا تكاد تحصى فالتاريخ القديم والحديث افرز لنا أشخاصا كان ذنبهم أنهم فقدوا الرعاية التربوية في الأسرة فصبوا جام غضبهم وعدوانيتهم على أبناء المجتمع فاحرقوا الحرث والنسل.
ومن هنا تبدو أهمية التربية على المستوى الاجتماعي والفردي على حد سواء إذ ليس بمقدور أي إنسان تصور فقدان البشرية للتربية لأنها تمثل الركن الأساسي في حماية الإنسان من عدوانية الإنسان الآخر , والعدوانية خطر دفع الإنسان ثمنه باهضا فكل وسيلة تقلل من دفع مثل هذا الثمن لا بد أن تحظى بعناية واهتمام كبيرين .
فحماية الطفل من بروز عدوانيته بشكل واضح هي أهم فوائد التربية على المستوى الاجتماعي .

نشرت في الولاية العدد 101

مقالات ذات صله