أصبحت الحاجة إلى البحث العلمي في وقتنا الحاضر أشد منها في أي وقت مضى، للدور العظيم الذي يؤديه في التقدم والتنمية.. لذا أولته كثير من الدول الاهتمام وقدَّمت له كل ما يحتاجه من متطلبات سواء كانت مادية أو معنوية، حيث إن البحث العلمي يُعد ركناً أساسياً من أركان المعرفة الإنسانية في ميادينها كافة, فأهمية البحث العلمي ترجع إلى أن الأمم أدركت أن عظمتها وتفوقها يرجعان إلى قدرات أبنائها العلمية والفكرية والسلوكية.. وانطلاقا من كل هذا أنبرى أحد خدمة زوار الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» لإعداد بحث حول التنظيم القانوني للعتبات المقدسة ، متخذا من العتبة العلوية المقدسة انموذجا لدراسته المقارنة تلك.. وكان هذا البحث ضمن متطلبات نيل شهادة الماجستير للباحث في القانون العام.. مجلة الولاية التقت الباحث الحقوقي قيصر كيكو الشمري وتبادلت معه اطراف الحديث عن رسالته تلك وكان هذا اللقاء:
في البدء.. كيف تولدت رغبة البحث في مجال التنظيم القانوني لديكم وما السبب وراء ذلك..؟
لتشرفي في خدمة سيدي ومولاي أمير المؤمنين (عليه السلام) منذ عام 2004حتى يومنا هذا, عملت ضمن اختصاصي في القانون , واثناء أداء واجبي في هذا المجال أصبح لدي الرغبة الشديدة بأن أبحث في التنظيم القانوني لما له من الأهمية الكبيرة في إدارة شؤون العتبات وفق سياسة تتفق مع أهميتها وتطويرها وتوسعتها, وكان لابد من دراسة القوانين والأنظمة المتعلقة بشأنها بشكل معمق لمعرفة مدى توافق تلك القوانين التي تحكمها وملائمتها مع واقعها وقدسيتها , مع الاستفادة من التجارب المماثلة ومقارنتها مع الدول التي تشترك بوجود العتبات فيها منها العتبة الرضوية المقدسة في إيران التي لها تجربة أسبق وأعمق من تجاربنا في خدمة مراقد أهل البيت عليهم السلام.
ما عنوان البحث الذي قدمته، وهل واجهتكم معوقات؟
وأثناء دراستي لمرحلة الماجستير اتخذت من التنظيم القانوني للعتبات المقدسة في العراق ــ العتبة العلوية المقدسة انموذجا (دراسة مقارنة) عنوانا لرسالتي وقد حظى بقبول وتشجيع كبير من قبل الاساتذة لأهمية الموضوع ولكن قد رافق التشجيع تحذير لصعوبة الموضوع وندرة المصادر بشأنه, رغم تطرق موضوعين أحدهما في مجال النظام القانوني للعتبات المقدسة كانت تبحث في الاطار العام والأخرى كانت مخصصة للعتبة الحسينية المقدسة ولكنها لم تتخذ من المقارنة منهجا لدراستهم.
كانت مشكلة البحث هي عدم كفاية قانون إدارة العتبات المقدسة والمزارات الشيعية الشريفة رقم (19) لسنة 2005, في تنظيم إدارة شؤون العتبات, وكذلك بالرغم من وحدة أهداف العتبات المقدسة وجدنا بأنها لم تتخذ نظاماً موحدا وأخذت تعمل وفق أنظمتها الخاصة التي تضعها مجالسها ولم تعتمد على نظام الخدمة الموحد نظام الخدمة في العتبات المقدسة والمزارات الشيعية الشريفة رقم (4) لسنة 2014, وبالتأكيد سينتج عن ذلك اختلاف فيما بينها.
حدثونا عن خطة البحث، وكيف استطعتم الاحاطة بجوانبه؟
قمت بتقسيم البحث الى ثلاثة فصول: إذ تضمن الفصل الأول بحثا في ماهية التنظيم القانوني للعتبات المقدسة بشكل عام وقسمناه على مبحثين الأول منه يتناول ماهية العتبات المقدسة والمبحث الثاني خصصناه لموارد العتبات المقدسة والرقابة عليها.
في حين تناولنا في الفصل الثاني التنظيم الإداري للعتبة العلوية المقدسة وقسمناه على مبحثين الأول منه التأصيل التاريخي موقف التشريعات من العتبة العلوية المقدسة وفي المبحث الثاني الهيكلية الإدارية للعتبة العلوية المقدسة.
أما الفصل الثالث فكان حول آلية تنظيم منتسبي العتبة العلوية المقدسة وقسمناه أيضا الى مبحثين في المبحث الأول منه تعيين المنتسبين وآثاره وفي المبحث الثاني تطرقنا للتنظيم الانضباطي لمنتسبي العتبة العلوية لمقدسة وانتهاء الرابطة الوظيفية للمنتسبين.. وفي ختام موضوعنا درجنا بعض النتائج والتوصيات التي خلصت إليها الرسالة والتي نأمل أن يؤخذ بها.
ما أهم النتائج التي توصلتم لها في هذا البحث؟
من اهم النتائج التي توصلنا لها هي إن للعتبات المقدسة طبيعة خاصة تختلف عن عامة الأوقاف كونها مرتبطة بحقوق أهل البيت عليهم السلام وتتطلب أحكاما شرعية وقانونية خاصة في إدارة شؤونها.. من هنا منحت العتبات المقدسة شخصية معنوية لذاتها وقد أكدت القوانين على استقلالها الإداري والمالي.. لذا نرى ان دائرة العتبات في ديوان الوقف الشيعي حلقة زائدة بانتهاء دورها بعد الاعتراف صراحة باستقلال العتبات وتمتعها بالشخصية المعنوية .
ومن جانب آخر نرى عدم وجود تشريعات كافية في العتبة العلوية المقدسة وخصوصا فيما يتعلق بتوزيع المهام على الأقسام الإدارية وتحديد صلاحياتها وكذلك فيما يتعلق بالشروط الواجب توفرها بمن يعمل في العتبة بشكل عام وفي تولي المناصب الإدارية بشكل خاص.
ما أهم التوصيات التي تضمنتها الرسالة لتطوير العمل في العتبات المقدسة..؟
أستطعنا بفضل الله الوقوف على الكثير من الأمر التي من شأنها تطوير العمل في العتبات المقدسة منها.. تمديد مدة تعيين الأمين العام إلى أربع سنوات قابلة للتجديد بدلاً من ثلاث سنوات ليتمكن من تنفيذ خططه بوقت مناسب وبخاصة وان الأشخاص الذين يعينون لهذا المنصب عادة لم يكونوا قد خاضوا تجربة مماثلة لها.. ومن جانب آخر نرى ضرورة تفعيل دور الهياة التنفيذية وفقا لما جاء في النظام الداخلي للعتبة العلوية المقدسة للعمل على تأكيد توزيع المهام وتمكين الدور الرقابي لمجلس الإدارة على أنشطة العتبة المقدسة.
نستطيع القول ان جميع القوانين والانظمة التي تحكم العتبات المقدسة بشكل عام وما يتعلق بمنتسبيها بشكل خاص صارت اليوم بين يدي القارئ للأطلاع عليها..؟
نعم بالتأكيد فهذه الرسالة قدمت دراسة مقارنة ليست بين العتبات في العراق وإيران فحسب بل أصبحت المقارنة فيما بين التنظيم الإداري للعتبات المقدسة في داخل العراق مع دوائر الدولة وموظفيها بما يتعلق بالهيكلية الادارية وما يتعلق بتنظيم شؤون منتسبيها.. ويمكن الاستفادة من كل ذلك عند دراسة الانظمة الخاصة أو عند وضعها.
كلمة أخيرة..
في الختام يسرني ان أهدي هذا الجهد المتواضع الى سيدي ومولاي أمير المؤمنين (عليه السلام) مساهمة مني في تطوير النظام الاداري في إدارة العتبة العلوية المقدسة لتكون نموذجا متكاملا في النظام الاداري.
كما اتقدم بالشكر الجزيل لكل من ساهم معي وساعدني وآزرني في اتمام العمل وعلى رأسهم سماحة السيد الامين العام والسادة أعضاء مجلس الادارة المحترمون.. وأن شاء الله وبتوفيق منه سأعمل على إكمال دراستي في مرحلة الدكتوراه وسيكون لخدمة سيدي ومولاي عنوانا في دراستي ان شاء الله.
نشرت في الولاية العدد 101