المهدي الموعود عجل الله تعالى فرجه

محمد علي البدري

منذ أن وجد الإنسان على وجه الأرض، وكان من بعض بنيه الظلم والاعتداء على بعضهم الآخر، تولدت فكرة المنجي والمخلص، فهي فكرة تناغي الأرواح منذ القدم ولا تخص بالدين الإسلامي فقط بل تعم الأديان السماوية كلها، فالجميع ينادي بالمنقذ الموعود ، فإنه الأمل المنشود للإنسانية المعذّبة.
وينتظر المسلمون على اختلاف مذاهبهم ظهور تلك الشخصية المباركة الميمونة لتحقيق أمل الإنسانية السرمدي وحلم الأنبياء الكبير على مرِّ الدهور، بظهور المصلح العالمي المنتظر الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً.

يترقب المؤمنون الذين يعتقدون بإمامة ذلك المصلح الموعود الذي به ختام الأوصياء والأئمة الاثني عشر من ذرية سيد الأنبياء وخاتم المرسلين (صلى الله عليه وآله) الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، أيامَ وعدِ الله في قيام ذلك الإمام المُعدِ لإحقاق الحق ونشر الأخلاق والفضيلة والعدالة بين أفراد المجتمع الإنساني، بعد قرون ممتدة وطغاة وفراعنة متعاقبين على الجور وظلم الناس بأقسى أشكال الظلم وصوره من القتل والتمثيل إلى سلب الحقوق وانتهاك الحرمات من دون أيِّ رادع ديني أو أخلاقي، مع عجز كل المحاولات الشريفة من الأحرار والمناهضين للظلم والاستبداد في كل حقبة من حقب التأريخ.
فقد قام أحرار الأمم من أباة الظلم والضيم والاستعباد في أغلب حقب التأريخ وتحت دعاوى مختلفة بالمطالبة بحقوق المستضعفين والمحرومين من أبسط مقومات الحياة الكريمة وإرجاع ثرواتهم ومقدراتهم المغتصبة من الحكومات
الظالمة المتسلطة على رقاب العباد التي أكلت أموالهم بغير حق وعاثت في الأرض فساداً، وراحت قوافل الشهداء تترى وامتلأت السجون وضجت الأرض ومن عليها من قسوة الجلادين في سبيل تحقيق الحرية والكرامة لعل الله يغير الحال ويقلب الأمور كيف يشاء ومتى يريد وتقتضي حكمته عز شأنه.
ويواصل الأحرار شق طريقهم نحو الخلاص من جور الحكام واستعباد الملوك والأمراء والمتسلطين على رقابهم ظلماً ولم يَهِنوا فلم يضعفوا وإن طال زمن الحرمان وكثر الجياع وراحت الضحايا تلو الضحايا وإن كان الطريق شائكاً فالهدف كبير والغاية عظيمة.
ومن طلب المجد جاء بأسبابه، فالمحرومون -وهم أغلب الناس- بين ساع للتغيير والخلاص من عبودية الجور والحرمان بكل وسيلة، وبين منتظر مترقب لظهور المنقذ العالمي الذي سوف يُبسَطُ العدل على يديه بين عامة الناس، ولعل الأمل بظهور ذلك الوعد والموعود هو أنيسُ كلِ معتقدٍ به حتى يأذن الله لوليه ويقضي أمراً كان مفعولاً، وكأن الله أراد للأرض أن يرثها عباده المستضعفون وأن يعوضهم عن أيام الحرمان والظلم بالعزة والكرامة الإلهية، قال تعالى في الآية الخامسة من سورة القصص: (ونُريدُ أَن نَمُنَ على الذين استُضعِفُوا في الأرضِ ونَجعَلَهُم أَئِمَّةً ونَجعَلَهُمُ الوارِثين ).

الأدلاء على الله
اقتضت حكمة الخالق الحكيم أن يمن على الإنسانية جميعاً بصفوة من المرسلين يرشدون الناس إلى العبودية الحقَّة ويدلونهم على الأخلاق والفضيلة كي يتم الحجة عليهم ولا يشذ أحد عن طريق الهداية والفلاح إلا من رغب عن طريق الرشاد وشذ عن أهله، وكانت خلاصة أولئك المرسلين ومن على يديه ختمت رسالاتهم هو سيد البَرِيَة نبيُّ الإسلام محمد(صلى الله عليه وآله)، وقد أعدَّ الله له أوصياء أئمة من ذريته وطهّرهم من الرجس كما طهّر الأنبياء وأوصياءهم من قبل لحكمة جليِّة، هي أن أئمة الناس لابد أن يكونوا مطهّرين معصومين من الزلل لأنَ مرشد الناس ومُدِلَهُم إلى الخير والفلاح لابد أن يعرف الخير بنفسه ويأتي به ويعرف الشر وينتهي عنه وغير المعصوم لا يمكن له أن يكون بهذا الوصف، عند ذلك يكون إتباع المعصوم أمر يُمليه ويوجبه العقل والاعتقاد، قال تعالى في الآية الخامسة والثلاثين من سورة يونس: (أَفَمَن يَهدي إلى الحق أَحَقُ أَن يُتَبَع أَمَن لا يَهِدِّي إلَّا أن يُهدَى فَمَا لَكُم كَيفَ تَحكُمُون).

الوليد المنتظر(عجل الله فرجه)
وكانت الهبة الإلهية بولادة الإمام الموعود المهدي المنتظر خاتم الأوصياء ومؤسس الدولة العادلة العالمية محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، حفيد الرسول الأعظم ووارث الأنبياء والمرسلين وبشاراتهم ومحيي سننهم ومقيم دولتهم في ليلة الخامس عشر من شهر شعبان المبارك سنة مئتين وخمس وخمسين من الهجرة الشريفة.
وبمولده (عجل الله فرجه) كان تمام عدة الأئمة الاثني عشر وأوصياء سيد الرسل(صلى الله عليه وآله) وعمَّت البشرى وسُرَّ المؤمنون وتحققت نبوءة جدِّه المبعوث (صلى الله عليه وآله) بولادة حفيده وسميِّه الذي تكتمل على يديه دولة الحق والعدالة والإنسانية التي وعد النبي (صلى الله عليه وآله) بانتشارها وأن يعم الدينُ الإسلامي أرجاءَ الكرة الأرضية كافة.
تحقق الوعد الإلهي
الوعد الإلهي الكريم لم يتحقق إلى الآن ولابد من تحققه، قال تعالى في الآية الثالثة والثلاثين من سورة التوبة: (هُوَ الذي أَرسَلَ رَسُولَه بالهُدى ودِينِ الحَقِ لِيُظهِره على الدِينِ كُلِه وَلَو كَرِهَ الُمشرِكُون) وهذا الوعد الرباني ملحمة قرآنية إعجازية ونبوءة نبأ بها القرآنُ البشريةَ كلها وتحداها، ولم تتحقق ملحمةُ الخلاصِ والمُخَلِصِ إلى الآن ولا يُتصور انتشار للدين الإسلامي وقيِّمه السمحاء ومبادئ الإنسانية وإقامتها بين الناس إلا على يدي الإمام الثاني عشر(عجل الله فرجه).
وهذا الوعد بحد ذاته صفة خاصة ومدح خالد للإمام المهدي(عجل الله فرجه) مع خلود القرآن الكريم، حيث إن وعده عز وجل لم يتحقق إلا على يده الشريفة والقرآن والعترة هما الثقلان العظيمان في الأمة اللذان بهما كانت البداية وتكون النهاية إلى آخر الزمان، أحدهما يكمل الآخر ولا يُأخذُ بأحدهما دون الآخر ولا تكون النجاة إلا بهما معا، وبعبارة أوضح (بكم بدأ الله)، فبمؤازرة علي (عليه السلام) ومناصرته للرسول والرسالة وكتابها بسيفه وبيانه انتشر الإسلام وقامت قوائمه وقويت شوكته، وبأهل البيت بدأ الدين وبهم سوف يُختم، وبهم سوف يَنتشر وتتسع رقعتُه لتُملأ الأرضُ كلُ الأرضِ عدلاً وقسطاً بعد قرون متطاولة من الظلم والجور والاضطهاد، وهذا تكليف وتشريف خص الله به محمداً وآله.

حجة الله وإن غاب عن الأبصار
لاشك أن الإمام قد ولد قبل ألف ومئة وثلاث وثمانين عاماً وأن إمامته قد بدأت بعد خمس سنوات من مولده المبارك وأن الله بحكمته قد حفظ حجته من كيد أعدائه، فغيبه عن الأنظار غيبة صغرى استمرت قرابة سبعين عاماً كان يلتقي فيها بأربعة من خيرة أصحابه فكانوا الواسطة بين الإمام(عجل الله فرجه) والناس لإيصال أحكام الشرع الحنيف إليهم وكل ما يحتاجونه ويطلبونه ويسألونه، وهؤلاء هم سفراؤه رضوان الله عليهم.
ثم جاءت الغيبة الكبرى العامة التي اقتضت أن يكون الإمام مخفياً عن الأنظار لحفظه من الأعداء أو لحكمة يعلمها الله سبحانه، متابعاً لشؤون رعيته ممارساً دوره في النظام البشري أجمع، فهو خليفة الله في أرضه وإن كان غائباً.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة، إما ظاهراً مشهوراً وإما خائفاً مغموراً) . اللهم عرف بيننا وبين إمام زماننا وليك وحجتك على خلقك ابن نبيك المؤمل لإقامة العدل بين عبادك، معرفةَ طاعةٍ وعقيدة، وولاءٍ ومودة، ونصرةٍ وتضحية.

نشرت في الولاية العدد 105

مقالات ذات صله