تحقيق: علي الوائلي
التاريخ الإسلامي يذكر ان أول من أقام مأتماً على الامام الحسين(عليه السلام) هو جده رسول الله(صلى الله عليه واله) فرسول الله هو اول من بكى على سبطه الإمام الحسين(عليه السلام) وكذلك الأئمة الهداة(عليهم السلام) ابتداءً بأمير المؤمنين(عليه السلام) وحتى الامام المهدي(عج)، ولهم سلام الله عليهم احاديث كثيرة في فضل زيارة الإمام الحسين(عليه السلام) والبكاء عليه والدعاء لزواره والحث على اقامة المآتم من خلال وصاياهم لاصحابهم, واستمرت المآتم والشعائر لاحياء فاجعة كربلاء على امتداد التاريخ حتى اصبحت ثورة الامام الحسين(ع) منارا لمن يريد التحرر من الذل والظلم والعبودية والخلاص من الطغاة فإقامة المجالس والشعائر الحسينية كانت ولا زالت تقض مضاجع الطغاة والظالمين وبقي اتباع اهل البيت يحيون هذه الشعائر حتى يومنا هذا وكان لأبناء مدينة النجف الأشرف الدور الكبير في تقديم التضحيات من ابنائها في سبيل اقامة تلك الشعائر واستمرارها ولمسنا هذا الدور في الزمن الماضي القريب وحتى اليوم فاننا نجد مختلف الشعائر التي دأب عليها ابناء النجف الاشرف مستمرة وباقية الى ما شاء الله تعالى.
يشير السيد زكي نعمة جريو مسؤول الهيئة العليا للمواكب الحسينية في النجف ان النجف الاشرف كانت ولازالت حاضنة للشعائر الحسينية ولم تنقطع على مدى التاريخ وحتى في ايام الطاغية فانها قدمت الكثير من الشهداء من ابنائها من اجل اقامة الشعائر الحسينية فيبين بلمحة قريبة لتاريخ الشعائر بان موكب العزاء الذي كان في طرف البراق وهو طرف من الاطراف الاربعة التي كانت تتكون منها النجف الأشرف آنذاك والذي تأسس سنة 1816 وقد اسسه السيد عباس بن سعد جريو، وقد كان عزاء لقراءة روزخون (خطيب) ومن بعده بعشر سنين ارتقى المنبر اول رادود بالنجف والعراق والدول الاسلامية وهو الشيخ خليل الشماع الاسدي واول خطيب كان في موكب النجف طرف البراك هو السيد محمد رضا الرضوي الموسوي ومن بعده بدأ طرف المشراق من بعدها انتقلت المشاعل الى طرف العمارة بزعامة البوكلل وهم اصحاب الهيئة والفكرة الاولى للمشاعل وكذلك احياء الشعائر من قبل طرف العمارة، ويضيف شيخ البو عامر العام الشيخ فرحان العامري بان النجفيون دأبوا على احياء الشعائر والتي من بينها المشاعل والتي كانت سابقا لا تتجاوز الاربعة مشاعل في العام 1936 او 1937 وكان مشعلنا الاخير وهذه المشاعل تمثل هجوم بني امية على خيام الامام وايضا هي مواساة للسيدة زينب وعيال الامام الحسين, اما خادم الحسين امير السفير فيرى ان شعيرة المشاعل ترمز الى الثورة الحسينية على شكل مشاعل فعندما صار السبي لاهل البيت بعدما استشهد الامام بقت السبايا في العراء وفي الظلام فجاء بنو أسد وقد أشعلوا القناديل وهذه المشاعل تعبر عن القناديل التي وضعت لتنير الطريق ولابعاد الذئاب فيما يضيف السيد زكي جريو ايضا بان المشاعل في ذلك الوقت تقام حيث كانت المدينة القديمة لا يوجد فيها انارة مثل اليوم فيخرجون لينورون ويواسون امير المؤمنين فابتدات المشاعل وكانت اول عشيرة هي عشيرة العكايشيين وبعدهم البو الشكري وابتدات حتى اصبح اليوم كل مشعل يمثل عشيرة فبدات شعائر الاطراف من عزاء اللطم والكعدة والتطبير والتشابيه والزنجيل وحرق المخيم فبدأ الرواديد يقرؤون قصائدهم من الشيخ خليل الشماع والرادود محمد حسين الشماع و الشيخ جابر وهو خال الشيخ عبد الرضا الرادود ومن بعده السيد محمد العوادي والى الان هو وابنه يقرؤون والخطباء السيد الرضوي ومن بعده السيد محمد والشيخ محمد علي اليعقوبي والدكتور الشيخ احمد الوائلي ومن بعده الشيخ الفيخراني والسيد جابر اغائي ومن بعده الشيخ شريف.
المشاعل احدى الشعائر الحسينية التي تميز بها النجفيون
ويسرد الشيخ فرحان قائلا انه كان فيما سبق كل فرد يشعل مشعله ويتجه الى الصحن الشريف وكانت المشاعل تدخل الى الحضرة الشريفة ولا يزال مشعلنا الاخير رغم كثرة العدد عن العدد السابق، وكان هنالك 34 مشعلاً قبل السقوط فقط واليوم قد ازدادت بعد زوال نظام الطاغية المقبور، ويتحدث ابو حسن الشيخ سعيد الوائلي عن موكب الوائليين بقوله ان الموكب الذي تاسس في طرف العمارة من العام 1965 اقام العديد من الشعائر الحسينية الى جنب المواكب الاخرى التي كانت في مدينة النجف الاشرف وبعد الاحداث في زمن الطاغية منعت المواكب وعند زوال الطاغية عادت فازدادت بشكل اكبر وتوسعت الشعائر فيما اشتهرت مواكب النجف بالمشق والمشاعل و الزنجيل.
ويستطرد ابو حسن قائلا ان العشيرة قدمت في هذا الطريق حالها حال بقية الأسر والعشائر كثيراً من الشهداء في زمن الطاغية ليس فقط في النجف بل حتى في باقي المحافظات.
اما عن لطمية الزنجيل وهو الموكب الراجل الذي يسير مسافة حتى الوصول للمرقد العلوي فيحدثنا الشيخ ابو احمد آل جوهر بان النجفيين اعتادوا ان يقيموا هذه المواكب الى جنب الشعائر الاخرى وقد ازدادت بشكل واضح وكبير بعد سقوط الطاغية المقبور.
زفة القاسم في ليلة الثامن واقامة المجالس وحمل المشعل وغيرها عادات وشعائر دأب عليها النجفيون كما يبين الحاج محمد عبد الرضا تويج مسؤول موكب سيد الشهداء ـ طرف العمارة حيث يؤكد بان تاريخ هذه الشعائر قديم جدا وقد توارثناها من آبائنا واجدادنا منذ الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي ونحن جددنا هذه الخدمة الى ان وصلنا الى هذا المستوى وعندنا مجلس يرتقي المنبر بعد ان كان يرتقيه شيخ حسن جديدي وسيد حبيب الاعرجي والرادود المقتدر كرار ابو غنيم وعندنا وجبة عشاء للحضور وكذلك عندنا نشاطات اخرى على طريق وفي ليلة الثامن عندنا زفة القاسم ومشعل حيث ان عشيرة آل تويج كلها تنضوي تحت هذا المشعل وكل شخص ياتي لكي ينظم ويحضر في هذه الطقوس فترى الكثير من ابناء عمومتنا يأتون من الناصرية والبصرة وبقية المحافظات، ويوضح كيف كان ابناء المدينة يتقاسمون حضور المجالس واحيائها بان النجفيين في السبعينيات والستينيات كانوا يوزعون التعازي على الوقت فترى العلماء وقت الفجر تحضر المجلس في البراني وبيت بحر العلوم الساعة العاشرة صباحا والظهر البو العمايدي والبقية فسابقا كانت هذه الشعيرة موجودة في النجف قبل 500 عام وحتى المشاية واول مشاية كانوا هم من ابناء مدينة النجف.
زفة القاسم في ليلة الثامن واقامة المجالس وحمل المشعل وغيرها عادات وشعائر دأب عليها النجفيون
واما فيما يتعلق بالشعائر الاخرى فيبين الشيخ حمودي كريم الحداد مسؤول طرف الحويش بان عزاء المشق والتطبير يبدأ من اليوم الاول من محرم حتى الثالث عشر ونقدم الطعام كل يوم عشاء من بعد المأتم الحسيني اذ تم تأسيس الموكب ـ طرف الحويش سنة 1928 وهو اول موكب مشق وتطبير بعد عزاء الترك ونحن مستمرون بهذا الموكب واباءنا واهلنا سجنوا في 1936 ايام ياسين الهاشمي وكذلك في العام 1954 وسجن الكثير من ابآؤنا وحتى ايام الطاغية وقد اشتركنا في انتفاضة 1977باتجاه كربلاء وكانت الايام صفر ونحن مستمرين من اصغر طفل حتى الرجل الكبير في احياء هذه الشعائر ولدينا علاقة اخوية حسينية في النجف وخارجها على طول السنة حيث نكون متواجدين في المناسبات الدينية في الكاظمية وكربلاء وسامراء، اما المواكب الحسينية اليوم وبعد سقوط الطاغية فقد وصلت اعدادها 3600 موكباً فقط في النجف الأشرف بحسب ما يؤكده السيد زكي جريو وهي موزعة على واحد وعشرين قضاء وناحية وفي مركز المدينة فقط 630 موكباً.
المواكب الحسينية اليوم وبعد سقوط الطاغية فقد وصلت اعدادها 3600 موكب
ورغم منعها من قبل الطغاة الا ان المجالس الحسينية التي كان يقيمها ابناء المدينة ضمن شعائرهم الحسينية بقيت محافظة على ديمومتها واستمرارها ويبين الشيخ وليد حاتم سعد راضي بان موكب طرف المشراق وهو اقدم الاطراف الاربعة تأسيسا في المدينة القديمة وموكب طرف المشراق تاسس سنة 1814م اي قبل اكثر من مئتين وخمسين سنة كان في احد بيوتات المشراق يقام مجلس عزاء وبعدها انتقلنا الى جامع الطوسي بيت شيخ الطائفة وكان مدرسة دينية انتقلنا الى هذا المكان واقمنا العزاء على الامام ومن ذلك الوقت وحتى الان هو مستمر في احياء الشعائر فيعتبر اقدم موكب ومحل للسكنى فكان هنا محلة ام العلى وجبل الديك وهذه التسميات كانت قديمة وبعدها صارت محلة المشراق.
ويضيف الشيخ وليد كيف جوبهت هذه الشعائر لاكثر من مرة على مدى تاريخ تاسيسها حيث يذكر ما قاله له والده اذ كان يتحدث عن الطواغيت الذين قبل الطاغية الهدام حيث ينقل كان هناك منع في زمن نوري سعيد والملكية لان قضية الحسين عليه السلام هي قضية ثورة ضد الظلم والاستبداد فكان الطغاة يخشون المنبر الحسيني لانه منبر ثوري فلطالما تحصل مضايقات واخرها في عهد الطاغية قد عانينا الويلات حتى اغلق المجلس لسنوات عديدة وحصل منع تام للمواكب واللطمية الكعدية هي جزء من الشعائر التي تقام ايضا في هذه المدينة حيث يشير الحاج حيدر كبون في حديثه بان الموكب يبدأ في العشرة الاولى من محرم الحرام بمجلس عزاء ولطمية (كعدية) بعدها وجبة طعام للزائرين ثم في الايام التي بعدها الوفيات والمناسبات الدينية اذ ان الموكب لا ينقطع عن اقامة الشعائر الحسينية وتقديم خدماته للزائرين واول رادود ارتقى المنبر في الموكب هو الرادود كريم عاشور وذلك في سبعينات القرن الماضي والشيخ حيدر الاعسم والشيخ كرار العارضي والعديد من الخطباء. وعن تاريخ ومكان تاسيس هذا الموكب يبين الحاج حيدر كبون بانه تاسس في مدينة رفحاء في السعودية وفي العام 1993 رجع الى العراق ومارس اصحابه من الحاج كبون عملهم في احياء الشعائر الحسينية وكان يطبخ الطعام ليتم توزيعه في المناسبات الدينية في النجف الاشرف وكربلاء والكاظمية وسامراء استمر هذا الموكب حتى العام 2003 توفي الحاج المؤسس للموكب فبقي اصحابه ومؤسس الموكب احد اعضاء طرف المشراق في خمسينيات القرن الماضي وقد حكم بالاعدام غيابيا في العام 1977 وقدم عدداً من الشهداء منهم ابنه وابناء اخوته وعمومته، اما في مأتم باب السيف فشعيرة المشق ايضا تكون حاضرة وهذا ما يوضحه الحاج مسلم كسار الى ان الموكب تابع الى مأتم طرف المشراق ومقره بين السوق الكبير وشارع زين العابدين ويسمى بعكد السيف(بكسر السين) فالكسبة في هذا العكد في العشرة الاولى في محرم يقيمون المأتم ظهرا حتى انتهاء المواكب ويقدم ايضا شعيرة (المشق) ومن قدامى خدام الموكب حجي باقر جباره وحجي علي كسار والفيخراني وسيد حسن الشريفي وسيد جواد كمونه والسيد جابر الحمامي والكثير غيرهم وهذا الموكب عمره اكثر من مئة واربعين سنة.
ومن هذه الشعائر يستلهم الاحرار في العالم كيفية الثبات على العقيدة والدفاع عن مبادئ الاسلام التي استشهد من اجلها الامام الحسين عليه السلام فتبين الشعائر مدى التضحيات التي قدمها ابطال كربلاء لإعلاء راية الحق والوقوف بوجه الظالمين والمستبدين ولتبقى الشعائر الحسينية تذكر الاجيال بالاهداف التي انطلق منها سيد الشهداء فلقد بقيت الثورة الحسينية رغم مضي اربعة عشر قرناً وستبقى ابد الدهر شمساً للحرية تنير درب الثائرين والمقهورين الذين وجدوا فيها خير معبّر عن آلامهم وآمالهم في اقامة العدل ورفع الظلم وقد اتخذوا من الشعائر الحسينية افضل وسيلة للرفض والتحدي والمقاومة وجسراً للتعبير عن الذات والدفاع عنها وحمايتها مستمدين من هذه الثورة المباركة قوتهم واستبسالهم فهي النبع الصافي الذي تستقي منه الثورات على طول التاريخ رفضها للظلم والاستبداد لتؤكد ان كل زمان ومكان يحملان حسيناً ويزيداً وهما في صراع أزلي بين الحق والباطل.
نشرت في الولاية العدد 110