من ينقذ التعليم ويحمي المعلم في العـراق؟

تحقيق علي الوائلي

تعرضت الكوادر التعليمية على مختلف مستوياتها للاعتداءات من قبل الطلبة واولياء الامور في حوادث لم يشهد لها البلد من قبل حيث تفاقمت حالات الاعتداء على الكوادر التعليمية وتكررت حتى اصبحت ظاهرة مجتمعية نسمع بين الحين والاخر عن حادث اعتداء هنا وعن انتهاك حرمة مؤسسة تعليمية هناك واذا اردنا ان نعرف ويعرف من هم بموقع المسؤولية وجميع فئات الشعب عن سبب تكرر مثل هذه الحالات الشائنة والمستنكرة لابد ان نقف على الاسباب التي تغذي هذا التمادي في استهداف الكوادر التعليمية لكي نجد حلا حاسما يوقف هذا الانحطاط غير المسبوق على الكوادر التعليمية ويمكن الإشارة اجمالا الى اهم الاسباب التي ادت الى استفحال هذه الظاهرة.

قدم التشريعات الادارية
يوضح كريم بلال مسؤول حقوق الانسان في النجف الاشرف ان الاعتداء على الكوادر التدريسية من قبل الطلبة او اولياء أمورهم أصبحت اليوم تشكل ظاهرة نجدها تتكرر في اغلب المدن العراقية , فيما يضع بلال اسبابا لهذه الظاهرة و منها ضعف الكوادر التدريسية وإدارات المدارس وضعف التواصل بين المدرسة وأولياء أمور الطلبة وكذلك انعدام النظرة المستقبلية للطالب وكذلك ولي امره مما يدعوه للتهور بكثير من الامور, ومضيفا ايضا الضعف في اعداد الكادر التدريسي, وبحسب قوله ايضا يشير الى انه أصبح في وقتنا الحاضر الكثير من الطلبة يمارسون اعمال حرة بعد الدوام اي اصبحت له قدرة مالية مما ادى بالطالب او ولي امره اعتبار المدرسة امرا ثانويا, ويعزو بلال اسبابا اخرى منها قدم التشريعات الادارية التي هي منذ عقد الستينات في القرن الماضي فرغم التطور الزمني بقيت هذه القوانين البالية على حالها, مع تدخل الاحزاب السياسية في العملية التربوية وكذلك تدخل بعض العشائر في العملية التربوية ولا ننسى انتشار المدارس الاهلية التي كان من المفترض ان تكون عونا للعملية التربوية وقلة الوعي والتثقيف… الخ، كل هذه العوامل وغيرها كانت سببا في بروز مثل هذه الظواهر السلبية في مدارسنا.
ويكمل التربوي فاضل شاكر العبساوي ماتقدم به بلال بان هنالك ترهلا أصاب مفاصل العملية التربوية مما اثر سلبا على سلوكيات الطلبة , ومن هذه الأسباب.. سحب مساحة وصلاحيات المعلم والمدرس التي تعنى بالجانب التربوي وغلق دائرة الإبداع والتطور في الأداء.. بالرغم من أن حالات الاعتداء السلوكي على الكوادر لكنها لا تصل الى مستوى الظاهرة وإن كانت خارج نطاق المألوف والمنطق, واما الانحدار بالسلوك فله أسباب كثيرة ومنها عدم تفعيل قانون الحماية للكوادر التربوية وبالتالي غياب هيبة القدوة لدى الطالب وهذا جاء بسبب جعل التربوي يواجه المشكلات وحده دون سند وتواضع الحلول , مضيفا الى تلك الاسباب اهمال الأسرة للأبناء وعدم ترسيخ مفهوم ان المعلم والمدرس هما رمز وقدوه ويتوجب لهم الاحترام والطاعة.
كذلك يطرح فؤاد السعداوي المراقب للشأن التربوي ومسؤول مكتب احد اعضاء لجنة التربية البرلمانية اسبابا اخرى منها خلل منظومة القيم التي يمتلكها الطلبة وعدم تناسب البيئات التعليمية في المدارس مع احتياجات الطلبة فضلا عن غياب نصوص قانونية رادعة بحق من يعتدي على المعلمين وغياب العلاقة الحقيقية بين المجتمع المحلي والمدرسة نتيجة جهل المجتمع بأهمية دور المعلم في بناء الأجيال, حيث ان ما يحدث إلى تقصير وزارة التربية في الجانب التربوي وتركيزها على الجانب التعليمي، هذا ما يحدث عندما تركز على شيء وتهمل الآخر فيكون هناك خلل فهي وزارة التربية ولكنها تركز على التعليم وتهتم به وتهمل التربية
من جانب اخر هناك ضعف في صلاحيات المدراء ولكن السبب الأهم في نظري هو القدوة فعندما يكون المعلم ذاته ممارس للضرب بطريقة بشعة وغير حضارية فهذا يؤدي إلى تعلم الطالب هذا السلوك وقد يتخذ نفس الأسلوب في التعامل. وفي المرحلة الثانية يأتي دور المنزل فإذا كان الأب أو الأم يستخدمان العنف في التعامل فهذا يجعل الطالب يمارس هذا الأمر في حل مشاكله مع الآخرين بما فيهم معلمه, كما يرجع تضاعف حالات العنف واستخدام أسلحة بيضاء ومسدسات في عمليات الاعتداء إلى تأثير أفلام العنف السلبي على الصغار. حيث ان استخدام بعض الطلاب لعنف مبالغ فيه كاستخدام السكاكين أو المسدسات في عمليات الاعتداء هو نتاج أفلام العنف التي انتشرت في الآونة الأخيرة فهي عودت الصغار على العنف مبكراً وتولد لديهم رغبة الانتقام بأي وسيلة كانت .

الابتعاد عن القيم الفاضلة
ويثني الاعلامي عبد المنعم فرج الله على بعض ما قاله السعداوي عن القيم وطبيعة الفرد العراقي ويعول اسبابا تتعلق بالاستاذ نفسه مشيرا بان حالة الاعتداء على الكوادر التدريسية تاتي منسجمة مع حالة ابتعاد الفرد والمجتمع عن القيم والمثل الدينية والاجتماعية الهادفة الى الارتقاء بواقع الانسان نحو الافضل ، وبما ان طبيعة المجتمع العراقي يغلب عليها حالة الفورة العصبية فليس من المستغرب تكرار ظاهرة الاعتداء على الكوادر التدريسية في العراق وبما يشكل مظهرا سيئا للمنهج السلوكي العام القائم على تقليد الغرب في الادعاء بالتحرر وهو في الواقع ابتعاد عن المنهج الرسالي الداعي الى تهذيب النفس والسمو بها الى مراتب اعلى..
اما المشرف التربوي اياد حميد الياسري فيبين بان الجهل من اهم وابرز تلك الاسباب اذ وضعه كاحد الاسباب الاولى مضيفا عدم احترام الاهل للمدرسة مع غياب القانون وظهور او بروز ظاهرة العشيرة التي تولت حل المشاكل بدل القانون الامر الذي اتاح لشيخ العشيرة حل المشاكل حسب المزاج وتفكير التلميذ او الطالب بالنجاح بدون تعب ويتوافق الياسري مع ماطرحه السعداوي حول التاثر بالافلام والمسلسلات التى تكرس الاعتداء ويختم الياسري بان ظهور داعش والميليشيات وكثرة السلاح بات امرا يثير عند البعض ثقافة الاعتداء.

قانون حماية المعلم وحصانته
كما يشير التربوي سعدي الكلابي بان الاعتداءات المتكررة على التعليميين من تربويين واساتذة هو عدم تطبيق قانون حماية المعلم وان تكون حصانة للمعلمين واحترامهم من قبل الدولة وان سبب الاعتداءات من بعض اولياء الامور نتيجة ضعف الثقافة مع مساندة بعض العشائر لاولياء الامور وتطبق قانون عزل المعلمين وعدم احترامهم وعدم تقديرهم والسبب هو ضعف الوعي الثقافي واحترام المعلمين حيث ان المعلم هو الذي يربي الاجيال ولولا المعلم فان كل المثقفين والمحامين وغيرهم ومن في الدولة لما وصلوا الى هذه الكراسي .
فيما يرى مهدي الفحام احد اولياء الامور بان عوامل عدة أدت الى تنامي هذه الظاهرة الغريبة في المجتمع فبين ضعف المستوى الثقافي للمجتمع وبين تنامي الحس القبلي اخذ الفرد يميل الى استعمال ثقافة العنف وبخاصة وان المجتمع العراقي مجتمع ميال الى العنف بشكل كبير فاحتفالاته واحزانه عبارة عن اطلاقات نارية تفزع العوائل ومقابل أي اعتداء فان «عمام» المعتدي تقف كالطابور للدفاع وتقديم» الفصولات» وان كان ظالما ومتجاوزا.
أيضا من الأسباب هو غياب النظام وسلطة القانون والساند القوي للكوادر التعليمية فالدولة اليوم تكتفي بالتصريحات الإعلامية والاستنكارية لهذا الاعتداء او ذاك ولا ينال الطالب الا في ابعد الحدود هو الفصل ولا تَرد للمعلم او المدرس المعتدى عليه أي اعتبار لمكانته او شخصيته ولعلنا لم نلاحظ أي اقتصاص من معتدي الا في حالة وقعت في البصرة.
من جانب اخر فان الظروف الاقتصادية التي مرت على العراق منذ النظام البائد التي انزلت المعلم من مكانته الكبيرة في عيون افراد المجتمع فضلا عن أن قلة الخبرة والعلمية والتعامل السيء مع الطلبة خلقت حالة من التوتر بين المدرس والطالب فضلا عن ـ هناك تقصيرا واضحا لدى الكثير من الأساتذة في أداء رسالتهم التعليمية والتربوية مما خلق صورة سلبية عن المعلم والمدرس في ذهنية الطالب ـ (وهنا يؤيد الفحام ماذهب اليه الاعلامي عبد المنعم فرج الله بخصوص الاستاذ ورسالته التربوية), ويبقي الفحام قضية مهمة حسب قوله وهي ان هناك نسبة كبيرة من الطلبة هدفها هو التعيين الحكومي من التحصيل الدراسي فلا ترى من الأستاذ الا وسيلة تعليمية كاي وسيلة أخرى يمكن ان تتغير او تتبدل ويمكن ان يتجاوزها ، فترى هؤلاء الطلبة ومن ورائهم عوائلهم احلوا كل السبل والطرق لتحقيق هدفهم هو الوصول الى الشهادة التي تؤهلهم الى التعيين الممتاز, طارحا سؤالا وهو لماذا الاعتداءات اغلبها تحدث في المدارس الحكومية وليست الاهلية.

ثقافة المسائلة القانونية للمعتدي
اما القانوني ليث خير الله فيطرح عدة وسائل معالجة للحد من هذه الاعتداءات ولعل الابرز منها احتضان الدولة للكوادر التعليمية وعدم تركهم عرضة للتهديدات العشائرية والقبلية والحزبية واحتفاظ الدولة بحقها العام بمحاسبة المسيء للكوادر التعليمية وان قدم المعتدى عليه تنازل .
اشاعة ثقافة عامة عن ما يمكن ان يتعرض المستهدف للكوادر التعليمية للمسائلة القانونية والتعريف بطبيعة العقوبات والجرائم التي يمكن ان تنال المعتدي حيث تناول ذلك قانون العقوبات العراقي النافذ بالمواد ٢٢٩ يعاقب بالحبس كل من اهان او هدد موظفا او اي شخص مكلف بخدمة عامة او مجلسا او هيأة رسمية او محكمة قضائية او ادارية اثناء واجبهم او بسبب ذلك, و المادة(230) يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة من اعتدى على موظف او اي
مكلف بخدمة عامة او مجلس او هيأة رسمية او محكمة قضائية او ادارية اثناء تأدية واجباتهم او بسبب ذلك، وتكون عقوبة الحبس لمدة لا تقل عن سنتين اذا حصل مع الاعتداء والمقاومة جرح او اذى، وتكون عقوبة السجن مدة لا تزيد على سبع سنوات او الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات اذا وقع الجرح او الاذى على قاض او من هو بدرجة مدير عام فاكثر اثناء تأدية وظيفته او بسببها, والمادة(231) يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات وبالغرامة او بإحدى هاتين العقوبتين من منع قصدا موظفا او اي شخص مكلف بخدمة عامة عن القيام بواجباته, واخيرا يضيف خير الله وسيلة اخرى من وسائل علاج هذه الظاهرة بقوله تشريع قانون خاص يحمي الكوادر التعليمية ويشدد من العقوبات بحق كل من يمكن ان تسول له نفسه بالتطاول على الكوادر التعليمية .

مسؤولية الأُسرة والمؤسسة التعليمية
ويشير نصير الحسناوي الباحث واحد اولياء الامور معلقا على وسائل العلاج ومضيفا عددا من الحلول بانه «من المؤلم أن نشهد أَي ظاهرة عنف مجتمعي، فهي علامة إنذار لخطأ كبير حاصل في بؤرة التوتر, أَما أَن نجد هذه الظاهرة تُسحب صوب الكوادر التعليمية أو التدريسية، فهذا يعني أن هناك شذوذ أخلاقيا كبيرا يُنذر بالخطر، أَياً كان محتوى هذا التوتر ونوعه وأسبابه, وعند رصدنا لهذه الظاهرة، ومراحل شيوعها في المؤسسات التعليمة اليوم، سنرصد ما يَعصر القلب ويزيدنا هماً وخوفاً على طبقاتنا المجتمعية, من خلال هذا نجد أَن من الواجب على الجهات البحثية والعلمية، في الوزارات المعنية أن تقرأ هذه الحوادث بأسلوب علمي مهني، وبالتالي الوصول لعلاجات ناجعة، وجذرية للحيلولة دون حصول أي حادثة عنف، فالحرم الجامعي، أو المدرسي يجب أن يكون منزوياً تماماً عن أَي نشاط بعيد عن هدفي (التربية والتعليم..). ويعد هذا الملف الخطير مسؤولية كبرى تقع على عاتق (الأُسرة وولي أَمر الطالب تحديداً، المؤسسة التعليمية، المعلم أو الأَستاذ), مؤكدا الحسناوي على أن تحكم المؤسسة التعليمية علاقتها مع ولي أَمر الطالب، للوصول لنتائج أَكثر إِيجابية في مسار الطالب، فضلاً عن الحيلولة دون حدوث هكذا حوادث لا سمح الله. أما الأُستاذ يجب أَن يتمرس بأَساليب تعطي للطلبة الثقة في رسالته التربوية، فضلاً عن أَن يكون مثالاً عالياً لطلبته للوصول للهدف التربوي والتعليمي الأَسمى، وهذا الموضوع مدعاة لأن تُعيد الوزارات المعنية منهجيتها في إِعداد المعلم أو الأُستاذ لهذه المهمة الخطيرة, وأَخيراً لابد أن تعلم المؤسسة القانونية بجهازيها التشريعي والتنفيذي بل وحتى القضائي، أنها معنية جداً في العمل لوئد أَي ظاهرة قد تمس بالسلم المجتمعي، فضلاً عن المساس بأَي جهاز من أجهزة الدولة، وعليها أَن تضع الحلول الرادعة لحفظ هيبة كيان الدولة، وبالتالي حفظ الأَمن المجتمعي ككل.

نشرت في الولاية العدد 114

مقالات ذات صله