أرشد رؤوف قسام
في بداية السبعينات أزدهرت المكتبات التجارية لبيع الكتب والصحف والمجلات والقرطاسية في عموم العراق والنجف الاشرف كانت لها الريادة في ذلك وللاسباب المعروفة التي أهمها حب اهل النجف وشغفهم بالقراءة والأطلاع وأهتمامهم الكبير بالثقافة فكانت هناك مجموعة مكتبات تجارية لبيع الكتب فقط وكانت هناك مكتبات تجارية تبيع الصحف والمجلات والكتب والقرطاسية وهذا النوع كان يستوجب أجازة رسمية حكومية ومن وزارة الأعلام تحديدا تجيز لصاحبها بيع الصحف والمجلات والكتب التي كانت تصدرها الوزارة او التي تستوردها من الخارج وكانت مؤسسة الدار الوطنية للنشر والاعلان وفروعها في المحافظات والمدن هي من تتكفل توزيعها على الوكلاء من اصحاب المكتبات التجارية هذه.
فصحف الثورة والجمهورية وطريق الشعب والراصد والعراق وكل شيء العراقيات وغيرها ومن العربيه كانت القبس الكويتية والراي العام الأردنية والثورة السورية والاهرام المصرية وغيرها ومجلات الف باء ومجلتي و المزمارالعراقية اسرتي والنهضة والعربي الكويتية والموعد وروزليوسف المصرية وكل العرب والوطن العربي وطبيبك اللبنانية وغيرها العشرات كان يتلاقفها النجفيون بل ينتظرون موعدها المنتظم بالصدور بفارغ الصبر وكانت لهم مشاركات وكتابات في اغلبها وكان أصحاب تلك المكتبات معروفين لدى الناس لما لمكتباتهم من اهمية لدى الشارع النجفي ونذكر على سبيل المثال مكتبة الحلو لصاحبها محمد الحلو ومكتبة العرفان لصاحبها نوري الحلو ومكتبة الثورة العربية لصاحبها ناجي الدجيلي إلا أن مكتبة الصباح التي كانت في رأس سوق الكبير من جهة الميدان سأتناولها بشي من التفصيل لمعرفتي بها …. فمكتبة الصباح اسسها الحاج تحسين قسام في بداية السبعينات من القرن الماضي و تحديدا في عام 1971م ولم يكن قد تجاوز العشرين من عمره فكان مندفعا للعمل وبشدة ويحرص على تقديم ما هو افضل لمدينته واهلها فكان يحرص على جلب جميع المطبوعات التي تجلبها الدار الوطنية من صحف ومجلات وكتب واصدارات عراقية وعربية وعالمية وحتى بلغات اجنبية مختلفة وكان يجلب حتى المطبوعات التي تدخل للعراق عن طرق اخرى غير الحكومية ولو ان هذا الموضوع قد منعته حكومة النظام السابق وذلك سعيا منها لحصر النشر والتوزيع المطبوعات بيدها ظنا منها انها قد تحجم الفكر العراقي والنجفي إلا أن ذلك مستحيل لعشق العراقيين والنجفيين للفكر والثقافة والادب والعلوم والفنون الذي لا يقف عند حد فكانت مطابع النجف مكتضة بما يخطه يراع النجفيون وتعمل بصعوبة لانجاز الطبع لكثرته ولنا وقفة ان شاء الله عند ابرز المطابع في الاعداد القادمة فكان الحاج تحسين قسام يحرص على توفير كل ما هو جديد لقراء النجف الذي يصف رغبتهم للقراءة والاطلاع فيقول على سبيل المثال كانت حصتي من اعداد بعض المجلات لا تكفي لنصف المشتركين عندي لحجز عددهم المفضل مثل العربي الكويتية ومجلة الدستور وغيرها وحتى العراقية مثل اقلام والتراث الشعبي واصدارات ادبيه اخرى وكان القراء الذين يطلبون الصحف والمجلات لا يقتصر على فئة او طبقة معينة فكان الطبيب والعامل والفلاح والمعلم والطالب والكاسب كلهم يطلبون الكتاب والمجلة وكل مطبوع يصدر فكنت اشعر ان النجف مدينة والريف يقرأ لما اراه من حجم الطلب على المطبوعات وكانت مكتبتي على صغرها مزدحمة فكيف ببقية المكتبات الاخرى وغيرها المختصة بالكتب فقط وقد كنت اوفر جميع انواع القرطاسية من ورق ودفاتر وسجلات واقلام مختلفة واحبار وكراسات لتعليم الصغار فكان كل شيء مرتبط بالعلم والثقافة والادب احرص على توفيره من خلال السفر الى بغداد والمحافظات الاخرى التي كان فيها عرض لمطبوعات اكثر من الطلب ونتيجة لذلك صارت المكتبة ملتقى الادباء والمثقفين واصحاب الفكر والقلم من مختلف الطبقات والمهن وحتى رجال الدين والخطباء وطلبة الحوزة فكان ذلك لا يروق لازلام النظام السابق وسحبت الاجازة اكثر من مرة واستدعيت للامن اكثر من مرة لأخذ تعهد بعدم تجمع المثقفين عند المكتبة واخذت المضايقات تستمر وبشده وبخاصة في سنة 1979حيث خفضت حصتي من المطبوعات الى ما دون النصف مع منعي من عرض او بيع اي كتاب او منشور خارج نطاق التي توزعها الدار الوطنية للتوزيع والنشر وإلا العقوبة تصل للاعدام واستمر النهج الخاص بالنظام السابق في التضيق ومحاربة الناس بأرزاقهم الى ان وصلت الحالة بتبليغي بأفراغ المحل وذلك لهدمه بحجة فتح شارع وبالفعل افرغت المحل وهدم المحل وتوقف عمل مكتبة الصباح وذلك عام 1980 وكانت في هذه الحادثة نجاتي من الاعتقال حيث أعتقل أثنان من أصدقائي وقد أعدم أحدهم والآخر حكم عليه بالسجن المؤبد إلا انه خرج من السجن في أحداث سنة 1991
اما انا ففي تلك الفترة جاءني احد المدرسين الذي كان يرتاد المكتبة لشراء الكتب والمجلات وقال لي بالحرف الواحد توارى عن الانظار فورا فأنت قد تعتقل هذه الايام وفعلا اختبئت فترة الا ان هدأت فورتهم الطائشة.
هكذا حوربت الثقافة والعلم وقد منعت الصحف والمجلات ما عدا الموالية للنظام التي تمجد بجرائمه وحتى مجلة (البوردا) التي تخص الخياطة والموديلات الملابس النسائية والاتكيت منعت في ايام النظام السابق وفي فترة الحصار كانت حجة النظام ان الدول منعت التصدير للعراق ولكن العراقيون لم يمتنعوا من القراءة والاطلاع والتعلم فأخذ الناس يتبادلون الصحف والمجلات القديمة هكذا حوربت الثقافه والعلوم والابداع في بلدي.
تم النشر في الولاية العدد 119