ماهر الجنابي
تعد المخطوطات رصيدا فكريا وتراثيا مهما لاي امة من الأمم، اذ تختزل فكر اجيال مضت منذ زمن بعيد، فباتت هذه الوثائق حلقة الوصل بين الحاضر والماضي.
لذا دأب خدمة امير المؤمنين(عليه السلام) على الاعتناء بهذا الجانب المهم، وحرصوا على انشاء شعبة متخصصة تعنى بما تمتلكه العتبة من مخطوطات ثمينة وقفها علماء او سلاطين او اقتنتها العتبة العلوية المقدسة وضمتها الى خزينها القيّم.
تتضمن الشعبة مجموعة من الوحدات التي تعمل بنسق متسلسل واسلوب منتظم من اجل الحفاظ على مخطوطات العتبة العلوية وصيانتها، وفيما يلي عرض موجز لاهم ما تنجزه هذه الوحدات:
وحدة الفهرسة:
كان لنا لقاء اولا مع السيد هاشم محمد مرتضى رئيس الشعبة الذي قال: في بداية الأمر نقوم بإخراج المخطوطة من الخزانة الحصينة الخاصة بالمخطوطات، ثم نقوم باستخراج المعلومات كافة التي تفيد الباحث والمحقق في مجال البحث العلمي، هذا بالإضافة إلى تدوين معلومات أخرى كثيرة مثل لون الورق والأضرار التي أصابت المخطوطة ويسجل ذلك كله في بطاقة خاصة بالمخطوطة تسمى بطاقة الفهرسة، ونقوم أيضا بوضع ملصق صغير داخل المخطوطة في باطن الغلاف الأول يحتوي على الرقم المخزني والتسلسل العام للمخطوطة الخاص بها، وفيه عنوان المخطوطة واسم المؤلف والناسخ وسنة النسخ، ثم بعد ذلك نضع ملصقا صغيرا على كعب المخطوطة يسجل فيه الرقم المخزني، وتعاد المخطوطة إلى الخزانة الحصينة كمرحلة أولى، وفي مرحلة ثانية نقوم بتدوين المعلومات الموجودة في بطاقة الفهرسة بسجلات خاصة تُؤرشَف وتُحفظ كافة المعلومات المدونة على بطاقات الفهرسة، ونقوم بإدخال هذه البيانات والمعلومات في برنامج كومبيوتري خاص بالمخطوطات، وهو برنامج بحثي يصل الباحث من خلاله إلى المخطوطة التي يحتاجها.
من جانبه قال الأستاذ صدقي جعفر موسى مسؤول الوحدة قائلا: تقوم وحدة الفهرسة بعد تسليمها المخطوطة من الخزانة بوضع بطاقة للفهرسة وملء بطاقة الصيانة الخاصة بها، وتتضمن هذه البطاقة أربع ورقات أو أكثر تخص كل اختصاص من اختصاصات وحدات الشعبة: من ناحية الفهرسة ومن ناحية الترميم ومن ناحية التصوير ومن ناحية المختبر، وأهمية هذه البطاقة تفيد أي شخص قد يأتي بعدنا في المستقبل ويريد أن يجري أي عملية صيانة لأي مخطوطة، اذ ان هذه البطاقة سوف تقدم له معلومات واضحة ودقيقة عمّا اتبعته كل وحدة من وحدات الشعبة وما اتخذته من إجراءات التي اتخذتها بحق هذه المخطوطة.
وحدة التصوير
وتحدث الاستاذ رضا ظاهر كاظم مسؤول وحدة التصوير الرقمي والمايكروفيلم في الشعبة قائلا: مبدأ عملنا في وحدة التصوير هو توثيق هذا التاريخ، وهو مدعاة لان يرى المرمم من خلاله مدى إبداعه في الترميم.
ويبدأ عملنا عند إخراج المخطوطة من الحصينة بعد فهرستها، ويتضمن مرحلتين: المرحلة الأولى وهي تصوير المخطوطة قبل المعالجة والترميم، إذ تُصور المخطوطة على علّاتها دون التأثير فيها، إذ تُفتح بطريقة خاصة وتُصور كاملة ومن بعدها تُرسل إلى وحدة المختبر لإجراء الفحص والمعالجة عليها، وبعدها يعود ليوثق في وحدة التصوير بعد المعالجة، وبعدها يذهب إلى وحدة الترميم لتتم عملية ترميمها وتجليدها ومن ثم تبدأ المرحلة النهائية لعملية التصوير وهي تصوير المخطوط بعد الترميم لتحفظ وتخزن وتقدم الصورة إلى الباحث بصورة جيدة.
أما الأجهزة المتوفرة لدينا فهي: جهاز التصوير الرقمي الديجتالي وجهاز المايكروفيلم، اذ ان الصورة المايكروفيلمية هي الصورة الوحيدة المعترف بها دوليا من منظمة اليونسكو، وذلك لان المايكروفيلم لا يأخذ حجما واسعا في الخزن ويبقى لمدة أطول تصل الى 500 سنة ولا يمكن تزوير او اضافة او حذف شيء منه، ولدينا جهاز عارض (سكنر) يعرض ما صور على افلام المايكروفيلم، وتحويل المايكروفيلم الى ديجتال وفق برنامج مكتبي خاص.
وحدة المختبر:
وتحدث مسؤول وحدة المختبر الأستاذ صلاح الخاقاني عن عمل الوحدة قائلا: تتألف وحدة المختبر من القسم الكيمياوي والقسم البايلوجي، اما القسم البايلوجي فيجري بعض الاختبارات على المخطوطة ودراسة مدى الإصابة بالمؤثرات الخارجية كالبكتريا والحشرات والفطريات والقوارض إذ نقوم بأخذ عينات ومسحات للمخطوطة لزراعتها لمعرفة الأضرار الفطرية التي تقوم على موجبها معالجة المخطوطة، اما القسم الكيمياوي فيقوم بمعرفة نوع الورق والألياف التي صُنِعَ منها، ويتعرف على نوع الطلاء والاحبار وتحديد نوع المحلول الذي نستخدمه في معالجة المخطوطة.
ويقوم هذا القسم ايضا بقياس درجة حموضة الورق مع معرفة قوة الشد ومعرفة اللكع الموجودة عليه لمعرفة انواعها، ومعرفة حتى تأثيرات التأكسدات الضوئية مع قياس النسبة المائية فيه، اذ يجب تثبيت كل ذلك من خلال عملية رياضية، وبعد هذه الاختبارات وغيرها نقوم بعملية رفع الأضرار الموجودة على المخطوطة.
واخيرا اود ان أؤكد بأن الطريقة التي انفردنا بها في عملية تعقيم المخطوطة هي عملية تجميد المخطوطة، وهذه الطريقة تفيدنا في تسهيل فتح المخطوطة المتحجّرة، وهي في الوقت نفسه لا تحتوي على تأثيرات جانبية عليها أو على العاملين في المختبر.
وحدة ترميم المخطوطات:
وتحدث الاستاذ حيدر عبد الباري الحداد مسؤول وحدة ترميم المخطوطات عن مهام الوحدة قائلا: نقوم بالمحافظة على المخطوطات من خلال إكسابها اكبر قوة وأكثر مقاومة مع الحرص على إدخال اقل قدر ممكن من المواد الجديدة، وبتعبير آخر اننا نحاول إزالة آثار الدهر وأضراره عن المخطوطة وإخراجها كأصلها الأول.
اذ نقوم اولا بتوثيق المعلومات عن المخطوطة ونضع خطة عمل تتضمن خطوات عدة كفيلة بعملية الترميم وفحص المخطوط لمعرفة مدى الأضرار وتقييمها لاختيار الأنسب من المعالجات وتحديد طريقة العمل المثلى، ونقوم بالاختيار الأفضل للورق المناسب من حيث الثخن والقياس واللون، علما ان جميع الأصباغ التي نستعملها هي أصباغ نباتية طبيعية.
بعدها نقوم بعمليات الترميم المباشر ويشمل إصلاح جميع أنواع القطوع والشقوق وإكمال جميع الأجزاء الناقصة وملء الثقوب وتقوية الأماكن ذات الألياف الضعيفة والمتهرّئة وتشمل هذه العمليات أيضا إصلاح الهوامش والأضرار النصية، بعدها تجمع أوراق المخطوطة على شكل ملازم تُقص بنفس قياسات المخطوط الأصلية، وبعدها نقوم بخياطتها وتجليدها اذا لم تحتوِ على جلد، وبعد الانتهاء نضع المخطوطة في صناديق توفر مناخات آمنة بعيدة عن التأثير المباشر للمتغيرات الطارئة.
وفي الختام أود القول إن جميع عمليات الترميم التي نقوم بها عكسية، أي بالإمكان إزالتها دون ترك آثار سيئة على المخطوطات.
نشرت في الولاية العدد 73