هشام أموري ناجي
قال أحد الفلاسفة ان الكتب سعادة الحضارة بدونها يصمت التاريخ ويخرس الأدب ويتوقف العلم ويتجمد الفكر والتأمل، وقيل ان الكُتب نوافذ تشرف منها النفس على عالم الخيال فبيتُ بلا كتب كمخدع بلا نوافذ، لذلك لا يمكن لمجتمع ان يتقدم بمعزل عن الكتاب والقراءة والمطالعة لما لها من أثر في بناء الانسان فكرياً وثقافياً واخلاقياً …
(مجلة الولاية) نقبت مع مجموعة من الاساتذة الجامعيين والمثقفين في هذه الظاهرة المكتضة بالتداعيات الخطيرة والنتائج المخيفة، ونحن نبحث عن اسباب تدني مستويات الثقافة وأسباب النأي عن القراءة بين شرائح المجتمع وبالخصوص شريحة الطلبة الى درجة تنذر بمستقبل يسوده الجهل والتخلف بسبب الابتعاد عن المطالعة وهجرة الكتاب والمكتبات، فذهبت مجلة الولاية مع المتحدثين عن ماهية المعطيات التي ادت للوصول الى هذا الحال، والادوات الكفيلة التي يجب العمل عليها كي نقرب بها ابناؤنا واجيالنا القادمة للمطالعة واقتناء الكتاب .
مساهمة في بناء الانسان
بدأنا تحقيقنا في كلية العلوم السياسية / جامعة الكوفة، وفيها أفاد عميدها الدكتور صباح العريض بصدد هذا الموضوع، قائلاً : لا شك ان القراءة تمثل جانبا وركنا اساسيا في مستوى ثقافة كل مجتمع، وغير خفي على الجميع ان مسالة القراءة اصبحت من المسائل الثانوية جداً في حياة المواطن العراقي والعربي وعليه بدأت مستويات الثقافة تنحدر بشكل رهيب يؤسس الى وجود خلل بنيوي في المجتمعات العربية اضافة الى التقارير العالمية التي اشارت هذه الحالة وبدرجة عالية من الخطورة .
وعن دور الطالب المعني الأول بهذه المسألة أشار العريض: ان شريحة الشباب وخاصة الشباب الجامعي يمثلون ركنا اساسيا من اركان هذا المجتمع ونحن نبني عليه ونعقد عليه الكثير من الآمال كونها فئة ستكون لها دور قائد في مستقبل البلد ولذلك عليهم السير في الاتجاه الصحيح وسد النقص الكبير في البناء الفكري والعقائدي والثقافي الذي نطمح ان يكون شاباً مسلماً مؤمناً عراقياً وطنياً مخلصاً لوطنه.
الاستاذ مرتضى الحلي مدرس تربوي تحدث عن هذا الأمر حين يقول : يَقينَاً أنَّ القِرَاءَةَ تُمَثِّلُ لِي شَخْصِيَّاً ,أشبَه مَا يَكونُ بالوَاجِبِ العَقْلِي الإرشَادِي ,خَاصَةً ,وقَد جَعَلَهَا اللهُ تَعَالَى مُفْتَتَحَ الوَحِي المُبينِ فِي كَلِمَاتِه الأولَى المُلقَاةِ إلى نَبِيِّه الأكرَمِ مُحَمّدٍ صَلّى الله عَليه وآله وسَلَّم ,حَيثُ قَالَ تَعَالىَ فِي سورَةِ العَلَقِ (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)وقد بين الاستاذ الحلي ان َالقِرَاءَةُ هِي سَبيلُ الوجودِ والحَيَاةِ الذي يَكشِفُ عَن المَطلوبِ والمَجهولِ فِي حَرَاكِ الكَسْبِ والتّعَلّمِ ويُوصِلُ إليه. وإذا لَم يَقْرَأ الإنسَانُ فَلَن يَكونَ فَاعِلاً ومُنتِجَاً ,لِمَا لِلقِرَاءَةِ مِن تَأثيرٍ كَبيرٍ في مَعرِفَةِ الوجُودِ والنِصوصِ والآثَارِ والمَعلومَاتِ ،فالقِرَاءَةِ ايضاً تُكتَشَفُ دَقَائِقَ الأمورِ وأغراضِهَا ,بَل و بِالعِلمِ المُتَوَلِّدُ مِنها تُصْنَعُ الحَيَاةُ الصَالِحَةُ والهَادِفَةُ .
تحديات أمام اجيالنا
ويشير الدكتور فؤاد عبدالله محمد من قسم الجغرافية في كلية التربية للبنات في جامعة الكوفة الى هذا الموضوع من زاوية أخرى، قائلا : ان القراءة لا يمكن ان يجبر عليها احد ،ومواصلة الفكر لا يجبر عليه احد والحصول على المعارف الثقافية لا يمكن ان يجبر عليه احد ،وبالتالي ان هذه قضية ذاتية ترتبط بالدافعية وهذه الدافعية لها مقومات ،وهي عبارة عن حلقات مترابطة تكون السلسلة التي تمهد لتوليد حالة الدافعية على مستوى معين من خلال الفرد للاسرة ومن خلال الاسرة للمجتمع لكي تتحول الى ثقافة مجتمعية ،بمعنى آخر هناك مقدمات وهناك عمليات وهناك مخرجات اي خلل يصيب هذا الثالوث يؤدي الى اختلال العملية برمتها هذه القضية كونها قضية فكرية بالتأكيد تحتاج الى حال من الاستقرار النفسي الذهني البدني مع توافر الامكانات الاخرى في الجانب الاقتصادي وفي الجانب الثقافي والجانب الامني حتى تتشكل ارضية خصبة وصلدة تمثل منطلقات للتحول الكمي والنوعي باتجاه تحقيق ثقافة مجتمعية، وهذه حقيقة في ظل الظرف الراهن .
ويضيف الدكتور فؤاد : نحن نواجه تحديات ليست بالهينة تستهدف وجود الانسان و لذلك كثير من الناس يجنح الآن الى توفير لقمة العيش لسد افواه فاغرة لان الثقافة في اوقات معينة واكتساب المعارف في ظروف استثنائية قد لا تغني من جوع وبالتالي يكون الاتجاه الى البحث عن لقمة الخبز والبحث عن توفير الامن الشخصي ،والامن المجتمعي الذي يفضي الى تحقيق السلم المجتمعي ولذلك كل هذه تشكل مقدمات الى حالة من الاستقرار لتشكيل دافعية باتجاه منطلقات تفضي الى الرغبة في الاكتساب المعرفي وتحقيق الثقافة الشخصية من بعدها على صعيد المجتمع الى تحقيق الثقافة المجتمعية وبالتالي تطبع المجتمع بطابع معين تنتقل به الى مصافي مجتمعات اخرى تسير في ركب وسلم الحضارة الانسانية على اساس كم ومستوى ونوع وجودة المعرفة التي يمتلكها فالأسرة مسؤولة والجهات الرسمية بدون تحديد عناوين مسؤولة والشخص ذاته مسؤول وبالتالي هي عبارة عن منظومة ينبغي ان تتحد عناصرها وترتبط بأواصر متينة وصلبة وصلدة تشكل ارضية لتوفير مقومات الاكتساب المعرفي لتحقيق الثقافة المجتمعية
غياب المبادرة بسبب البدائل
كما ان لكل فشل او اندثار لاي ثقافة اسباب تقف وراءها فالقراءة والعزوف عنها لها مسببات ادت الى انحسارها في مجتمعاتنا وقد حصر الدكتور حيدر ناجي المعاون الاداري في كلية التربية للبنات اسباب هذه المشكلة بمواقع التواصل الاجتماعي قائلاً: من اسباب عزوف المجتمع عن القراءة هو مواقع التواصل الاجتماعي والتطور الحاصل في التقنيات العلمية والتكنلوجية التي اخذت معظم اوقات الناس في التصفح للمواقع الاليكترونية .
وحول ما موجود في الدول الغربية التي سجلت نسبة القراء فيها مراحلا متقدمة ؟ بين ناجي قائلا : اعتقد ان هناك ثقافة مجتمع ونحن في المجتمعات العربية لا توجد لدينا ثقافة قراءة لذلك نحتاج الى تطوير هذه الحالة ،كما لاحظنا في بعض الدول العربية مبادرات مجتمعية عن موضوع القراءة يروج للناس من خلالها على هذه الغاية ،ولذلك نحن يجب ان نضع نواة البداية لتوضح لهم معنى القراءة والفائدة منها ،وعندما يلمس الانسان الفائدة من القراءة سيتطور.
السيد فاروق محسن ابو العبرة عضو لجنة السلامة الفكرية في العتبة العلوية المقدسة قال ان اسباب العزوف عن القراءة تكمن في سببين هما(التكويني والوضعي)، وقد شرح السبب الاول (التكوينية) قائلاً: هي التي ترتبط بسرعة الزمن وسرعة الوقت وهذه ما كانت موجودة سابقاً وهذه لها علاقة بالتطور التكنلوجي كـ(الاجهزة الحديثة من الحاسبات والانترنت وبقية اجهزة التواصل الاجتماعي) وغيرها وهذا يؤثر على الفكر والتنمية الثقافية، فالأطفال مثلاً لهم القدرة والقابلية على استخدام تلك الاجهزة اللوحية والهواتف الذكية وسرعة اتقانهم لهذه الحداثة في الوقت الذي يعاني اولياء الامور من اقناع ابنائهم للذهاب الى المدراس لأجل التعليم او قراءة كتب مفيدة اخلاقية وعلمية او قصص.. كل هذا له علاقة بالتكوين وبتصور عقول الاطفال بطريقة ملفتة للنظر.
اما الوضعي هي الأجهزة التي ابتكرها الانسان عندما أوجد التكنلوجيا الحديثة،لم يفكر بالانسان ذاته فالتطور ابعدهم عن التراث الثقافي والادبي والديني وعندما وضع بين ايدهم الاجهزة الحديثة والمتطورة وكان همهم الكسب المادي فهذا التطور قد قرب المسافات وخدم الانسانية من جوانب عدة ولكنه في المقابل قلل الاهمية من جوانب فكرية وثقافية ودينية وروحية.
الى من يهمه الامر … لابد من حلول
وبما ان لكل المشاكل أخطاءً على مر الزمان يتم حلها عن طريقة وضع الدراسات والحلول لكل المعرقلات التي تواجه المجتمع بغية التوصل الى مجتمع مثالي كما كان يعرف العراق سابقاً من الدول التي تصقل المفكرين والشعراء والادباء وغيرهم … وعلى هذا الاساس فقد وضع استاذ ولاء الربيعي استاذ الاعلام في كلية الامام الكاظم (عليه السلام) عدة نقاط للارتقاء بواقع الثقافة التي باتت تتجه نحو طرق الجهل والتخلف قائلاً: تأتي الحلول بالمقام الاول بيد الدولة التي تعمل وفق استراتيجية شاملة لغرس حب التعلم والمعرفة وحب الاطلاع من خلال القراءة وعن القراءة وعن جهود المؤسسات التعليمية والاكاديمية وتبتدئ من الاطفال وصولاً للشباب وكافة فئات المجتمع ،تحديث المناهج التعليمية وانظمتها لتعزيز مهارات القراءة لدى الطلبة وتوفير الكتاب واتاحتة للقارئ من خلال فتح المكتبات التي تضم بين جنباتها مختلف الكتب وبمختلف التخصصات والمجالات العلمية والفكرية والفلسفية والثقافية واستقطاع وقت للقراءة من الجدول الاسبوعي في المؤسسات التعليمية لغرض مناقشة كتاب الاسبوع من قبل الطلبة .
واضاف الربيعي : لا بأس من استخدام الية لربط الكتاب الالكتروني بالورقي لغرض تعزيز وحث المجتمع بكل فئاته على ممارسة القراءة كعادة مع توظيف مواقع التواصل الاجتماعي كمنصة للعصف الذهني وتحفيز القراءة و جعلها اسلوب حياة .
كما لم يبتعد الاستاذ عصام الحسناوي وهو طالب جامعي وموظف عن راي الاستاذ ولاء الربيعي فقد اوعز اسباب العزوف الى اسباب منها تتعلق بالحكومات المحلية لدعم المنتديات الفكرية والثقافية والشعرية والمسابقات وعلى مختلف الاصعدة الاجتماعية كما ابدى الحسناوي رايا قال فيه : يقع على عاتق المؤسسة الدينية الدور الكبير في توجيه جميع مؤسساتها الدينية للحث على القراءة والثقافة العامة وتوجيه الخطباء على المنابر للتطرق لهذا الموضوع .
واضاف : على الحكومة و خاصة وزارة الثقافة ان تبني مشاريع لدعم الحركة الثقافية وحث المجتمع والشباب خاصة على المطالعة وعلى غرار ما قامت به الحكومة الاماراتية من دعم لبرنامج إقرأ.
كما ختم كلامه بالدور التي تلعبه الفضائيات العراقية في رفد القراءة والثقافة من خلال برامج وتكثيف الاعلانات والدعايات التي تروج للقراءة وتشجع وتدفع بالشباب نحو القراءة.
نشرت في الولاية العدد 103