مفاهيم قرآنية الفِطْـــرَة

الشيخ حسن العيساوي

من المفاهيم القرآنية المشهورة بين المسلمين مفهوم الفِطْرَة قال الله تعالى في كتابه الحكيم: (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا)(الروم/30) ولذلك تعرض المفسرون لبيان معنى الفطرة وتفسيرها.

الفطرة في لغة العرب:
الفطرة لغة هي الشق: فطر الشيء يفطره فطرا: فانفطر: شقه، وتفطر الشيء تشقق، والجمع فطور.
وقال فخر الدين الطريحي في مجمع البحرين: انفطر انشق عن امر الله كما ينفطر الورق عن الشجرة ومنه فطر الله الخلق لأنه بمنزلة شق منه فظهر(مجمع البحرين: فخر الدين الطريحي- مادة فطر).
وقال الراغب في مفردات غريب القرآن اصل الفطر الشق طولا.
وقال ابن عباس ما كنت ادري ما فاطر السموات والارض حتى اتاني اعرابيان يختصمان في بئر فقال احدهما: انا فطرتها أي انا ابتدأت حفرها، وذكر ابن عباس انه سمع الاعرابي يقول: انا اول من فطر هذا أي ابتدأه. (ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، مادة فطر).
وفي هذا الحديث يكون معنى الفطرة بمعنى الابتداء وهو قريب من المعنى الأول، لأنه عندما ينفطر الشيء يبدأ بالخروج والظهور، فالذي يشق شيئا هو الذي يبدأ بإظهاره وإخراجه الى الخارج والى الوجود بعد ان كان مخفيا غير معروف وغير موجود.
وأما كلمة الفطرة في وزنها في اللغة العربية فهي تدل على المصدر الدال على هيئة الفعل ونوعه لأنها على صيغة (فعلة) كما تقول جلستُ جلسة زيد، يعني على الهيئة التي كان يجلس بها زيد. (الفطرة، مرتضى المطهري: 13).
والخلاصة: فالفطرة لغة هي بمعنى الشق والابتداء فالذي يبتدأ بايجاد الشيء واظهاره سُمَّى فاطرا والذي لا يبدأ بالايحاء لا يسمى فاطرا ومظهراً للشيء.
الفطرة في مصطلحات القران الكريم:
أولا: هي الايجاد: وهي ان يخلق الشيء من عدم أي ان الفاطر هو الذي يوجد الشيء وهو لم يكن موجودا ولذلك فان الله سبحانه وتعالى فاطر السموات والأرض أي اوجدهما من العدم، ولذا تفسير بعضهم الفطرة بالخلق بعيد عن الصواب لأن الخلق معناه هو ايجاد الصورة من مادة عن طريق جمع الاجزاء ثم بعد ذلك تركيبها وبيان الهيئة الجديدة.(الميزان في تفسير القرآن، محمد حسين الطباطبائي: ج2/ص213).
ثانيا: الفطرة: المعنى بالابتداع والاختراع وهي تعني الاتيان بالجديد مقابل التقليدي فالله سبحانه وتعالى هو المخترع والموجد للأشياء في الدنيا والاخرة وكانت عدما، وهذا لا يستطيع ان يفعله الانسان مهما ازداد علمه وتقدم في الحضارة والتكنولوجيا الحديثة وتطور مع الزمن وتراكمت العلوم العصرية وصنع ما صنع من اشياء لم تكن موجودة سابقا لأنه تقليدي في كل شيء حتى عندما يخترع اذ ان مخترعاته التي يفتخر بها هي تحتوي على عناصر اوجدها الله سبحانه وتعالى وهو استفاد من هذه العناصر واخترع شيئا من تركيب هذه العناصر وهذا بفضل الله سبحانه وتعالى لأنه هو خلق العناصر وخلق الانسان وأوجد في الانسان القابلية على التفكير واكتشاف ومعرفة اسرار هذه العناصر ليخترع شيئا جديدا من نفس المادة ولكن بصورة اخرى ولذلك فان الحيوان مهما عاش فان لا يكتشف شيئا ولا يخترع لان الله سبحانه وتعالى لم يخلقه ليكتشف وانما خلقه ليكون تحت امر الانسان ويكون مطيعا وذلولا له يعيش على نمط واحد ويأتي الانسان ليأخذه ويستفاد منه ويسيطر عليه وهو لا يستطيع ان يكشف شيئا للتخلص من الانسان واختراعاته.
على هذا فان الانسان مهما بلغ علمه وابحاثه ومكتشفاته لا يستطيع ان يكون فاطر الشيء وانما هو فقط يزيل المجهول ليصير الى المعلوم الموجود سابقا والذي اوجده الله وهيئه لخدمة الانسان، ان الانسان عندما يقول انا مخترع فانه يقول مجازا لانه لا يخترع شيئا من العدم، انه يكتشف فقط ما هو مصنوع وموجود فلذلك لا يتقدم بمقدار انملة لأن عمله محدود وغير قابل للزيادة عما اوجده الله في خصائص كل مادة يكتشفها الانسان(الفطرة، مرتضى المطهري: 13).
ثالثا: الفطرة بمعنى الدين أي هي الفطرة التي فطر الناس عليها أي فطرهم على الدين وهو دين النبي صلى الله عليه واله دين الاسلام ولذلك ورد في الحديث (من ارتكب ذنبا معينا مات على غير فطرة محمد صلى الله عليه وآله) وهنا يستعمل لفظة الفطرة بمعنى الدين فالذي عنده دين تكون عنده فطرة سليمة لأنه لا يرتكب ذنوب.
رابعا: الفطرة بمعنى الابتداء للشيء كما في الحديث في سفينة البحار يقول ابو بصير كنت بحضرة الإمام عليه السلام فجاءوا بطعام من لحم بعير ثم اتوا بشيء من اللبن فشرب منه وامرني ان اشرب فوجدته ذا مذاق خاص فسألت عما يكون فقال: انها الفطر وهو خاثر لبن الناقة الحديثة الولادة. (سفينة البحار، عباس القمي: 3/929).

نشرت في الولاية العدد 106

مقالات ذات صله