الشيخ مصطفى مصري العاملي

يعيش المسلمون اليوم واقعا ثقافيا وفكريا متأزما بسبب بروز ثقافات متعددة في المجتمع وباتجاهات متناقضة نحو العولمة والانفتاح او نحو التعصب والانغلاق الفكري، فظهر المتصيدون بالماء العكر ليتصيدوا من هنا وهناك بدوافع العمالة والجهل ويستغلوا العوام وانصاف المتعلمين كل حسب توجهه واهدافه، بهذه الهموم حملت اوراقي ذاهبا الى سماحة الشيخ مصطفى العاملي الباحث الاسلامي لأحاوره في واقع الامة الثقافي والفكري، فابتدأته بالتالي:

تقييمكم للواقع الفكري والثقافي الذي يعيشه شبابنا اليوم؟
في واقع الحال من يتأمل الواقع الفكري والثقافي للأجيال المعاصرة يجد نموذجين متناقضين ، نموذج تجده في بعض الشباب الذي يحمل في فكره هم المعرفة فتراه يبحث، يفتش، يسأل، يقرا، يستمع، لا يتوقف عند مسالة، بل يتابع كل التفاصيل من اجل الحصول على المعرفة، ولكن مع الاسف هذا نسبته قليلة جدا، والنموذج الثاني من الشباب يعيش حالة اغتراب عن المعرفة الحقيقية ،وهناك بعض الشباب من عنوانه يبحث عن المعرفة ولكن ليست المعرفة هي غايته، فمثلا تجد هناك شريحة في الجامعات وفي شتى الاختصاصات ليس لها هدف الا الحصول على الشهادة الاعتبارية وليس هدفها المعرفة، وهذا هو الخلل الكبير الذي يعاني منه شبابنا، فكثير من طلاب الجامعات من دخل في تخصص يرغب به ومنهم من دخل في تخصص فرض عليه، وهذا سيؤدي الى عدم التفاعل الحقيقي بين الطالب ودرسه وتخصصه.

أوضحتم هذه الحقائق الخاصة بالشباب ولكن على من تقع مسؤولية علاجها! على المؤسسة الاكاديمية ام المؤسسة الدينية ام التربية البيتية ؟
اعتبر هذه المسؤولية مشتركة والتي تبدا من البيت وهو المنطلق الاساس للتوجيه فمثلا هناك فرق من يسمع من والديه رغبتهما بالحصول على الدرجات العالية ليجد له عملا، و من يقول له والداه تعلم لتكون عالما ومفكرا، ومن هنا تبدا المعادلة هل انت تريد التعلم لتكون موظفا ام لتكون عالما ومفكرا فاعلا في المجتمع، ومن هنا تكون البداية وهذا دور البيت في توجيه الاولاد، ثم يأتي من بعده دور التوجيه المدرسي وكيف يكون الاستاذ نموذجا للطالب، وكيفية اعطاءه للمحاضرة هل برغبة وابداع ام تأدية فرض ويسعى الى انهاء المحاضرة باي شكل وحتى شرحه للدرس بدون روحية وهذا كله ينعكس على نفسية الطالب، في الجانب الثالث يأتي دور التوجيه الديني او المؤسسة الدينية التي يقع على عاتقها زرع ثقافة عامة في المجتمع للحث على العلم والتعلم كما جاء في السنة النبوية: اطلب العلم من المهد الى اللحد، وطلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، وغيرها من الاحاديث التي تحث على طلب العلم، فالتوجيه يعتمد على الحد العام ونشر الثقافة الاسلامية الصحيحة داخل المجتمع.

ما دور الشريحة غير المتعلمة او التي لها تعليم بسيط داخل المجتمع؟
اما الشريحة التي لم تستمر بالتعليم فلها مجموعة اسباب وهذه الشريحة خطرة جدا، فنجد الكثير منهم ولاسيما شبابنا يعيش حالة اللامبالاة وبالتالي يعيش حالة الفراغ العملي والفكري وشغل انفسهم بأشياء فارغة لا تعطي اي ثمرة لهم، فبالرغم من توفر التكنلوجيا الحديثة ولكن انظر كيف يستفيد الشباب من الانترنت وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي، نجد الكثير منهم يستخدم وقته وطاقاته بأمور فارغة وهذا معناه انه استخدم امكاناته وجهده وطاقته و رصيده الفكري والعمري في خسارة، ففترة عمر الانسان تنقسم الى اربعة مراحل، مرحلة الطفولة والتي تتميز باللهو واللعب وتأسيس أوليّ للشخصية، ومرحلة المراهقة والشباب وهي مرحلة رسم الشخصية، والمرحلة الثالثة مرحلة النضج التي تكون اكتملت بها مقومات الانسان الفكرية والجسدية، واخيرا مرحلة الكهولة والشيخوخة والتي يصبح بها الانسان غير قادر على تأدية بعض الاعمال، وثمرة عمر الانسان هي في المرحلة الثانية والثالثة وهي مرحلة قصيرة بمقياس العمر ، فالمرحلة الثالثة تعتمد على المرحلة الثانية فاذا كان شبابنا قد اضاع المرحلة الثانية من مراحل عمره باللهو والعب الفارغ فكيف سيستطيع السيطرة على نفسه ويطور نفسه في المرحلة اللاحقة وبالتالي سيصبح عالة في المجتمع، فلذا على الشباب الاهتمام بالمرحلة الثانية وبناء شخصياتهم الفكرية والجسمانية وكذلك على المؤسسة الاكاديمية والدينية الاهتمام بهذه المرحلة العمرية ليكون لدينا شباب ناضجون ومفكرون يتحملون مسؤولية انفسهم وبلدهم.

تعيش الامة الاسلامية حالة من الفراغ الفكري فنشاهد التعصب والانغلاق الفكري من جهة، و انتشار الافكار الالحادية من جهة اخرى! كيف ترى هذا التناقض؟
هذا يعود الى جانبين، الاول الجهل فاذا اتجه الانسان في المرحلة الثانية التي ذكرناها سابقا الى التأثر بأفكار ظاهرها ايماني وباطنها اخطر من الانحراف، فهناك نماذج منحرفة خطيرة تحاول ان تستغل طيبة شبابنا نحو الامور العقائدية المنحرفة كالمدعين المهدوية او جماعة الرؤيا والمنامات ،فنجدهم يحاولون حرف الشباب من حيث لا يعلمون وهم يحسبون انفسهم انهم يحسنون صنعا، ولكن يجب على الشباب ان يعلموا من اين يأخذوا دينهم وعقيدتهم، فنحن نؤمن بالأئمة الاثني عشر ونؤمن بالإمام المهدي ونؤمن بغيابه فواجبنا كما اوصانا ان نرجع الى ما اجمعت عليه الطائفة من العلماء وهذا ليس بالأمر الصعب فلماذا نذهب ذات اليمين وذات الشمال ،فهذا الطريق واضح و ليس فيه غش وحسب الموازين العلمية وليس بالانتخاب او غيره كما عند غيرنا ،وحتى مسألة تعدد المراجع عندنا هي حالة صحية داخل العقيدة تضمن التوازن فيظهر هناك الابرز والاعلم، فلماذا يذهب البعض الى انسان مدعي مجهول الاصل والفصل ويترك النبع الصافي لهؤلاء العلماء الابرار، وانا هنا اطرح سؤالا للايضاح! اذا اصيب الانسان بمرض خطير هل يذهب لأيّ طبيب او انه يسأل ليذهب عند افضل الاطباء؟
اما مسالة ظاهرة الالحاد فأنا لا اعتقد انه الحاد بالمعنى الحقيقي ولكن هناك ردة فعل على سلوكيات سيئة موجودة في مجتمعنا مقرونة بحالة انفعالية مع جهل تعطي الصورة التي نتصور انها إلحادية، فحتى من زرع الإلحاد في القرن الماضي من مختلف الاتجاهات والمفكرين قد تلاشى واندثر، ولكن تبقى فكرة التمرد عند بعض الناس موجودة، ولكن لا نقول عنها انها حالة بالمعنى الحقيقي.

ولكن موجة التعصب الديني والمذهبي قد انتشرت داخل الامة بشكل كبير وخطير؟
ان ما وصلت اليه الامة فيه جانبان ميداني اعنى به الاشخاص انفسهم، وجانب الخفاء او المؤامرات كما يسمى، ولا نتحدث عن هذا الجانب، ولكن في اعتقادي ان الخلل الذي اصاب الامة جميعا هو فهمهم وتطبيقهم للآية 59 في سورة النساء (ياايها الذين آمنوا اطيعو الله والرسول وأولي الأمر منكم..) فالفقرة الاخيرة من هذه الاية أولي الامر منكم عندما نفهمها حقيقة تحل مشكلة الامة جميعا، فالكل يتحرك ضمن الدائرة الاسلامية وكل من يتحرك يرى نفسه انه يقوم بواجبه الشرعي بإطاعة ولي الامر لأنه يطيع الملك الفلاني والامير الفلاني، فتشخيص هذه الصفة جعل الامة تتيه في الخلافات المذهبية والتعصب الفكري، حتى الجماعات المتطرفة تتصارع في ما بينها لأن كل واحد ينظر الى نفسه انه احق بولاية الامر ، قد يقول احد ان هناك دوافع ومحركين، صحيح ولكن نتحدث بصورة عامة ان الفهم الخاطئ هو الاساس.

برأيكم ما دور الارشاد الديني والتبليغي تجاه المجتمع؟
اقول المهمة كبيرة والمؤسسة الدينية هي في عين العاصفة فهي مرصودة و عرضة لان توضع امامها الكثير من العراقيل، فهناك جماعة تواجه المشروع الديني بشتى الوسائل وهذا قد يعيق العمل، ولكن لا مفر من العمل المخلص والمضي الى الامام ونحتاج للعمل بشكل اكبر وقد يكون هناك قصور وتقصير، ولكن هناك تأدية في الكثير من المواقع وهذا ليس كل المطلوب، كذلك اصبحت الواجبات الملقاة على عاتقها واسعة جدا وهذه تحتاج الى عنصرين البشري والمادي، فهناك نقص في الكادر في اماكن واماكن فيها اكتفاء ،وكذلك الامر المادي قد تجد تخمة في مكان ما ونقصا في اماكن اخرى، وشيء اخر مهم هو تقديم الاولويات في العمل وهي تختلف من مكان لآخر، فمثلا اماكن تحتاج للتبليغ والمعرفة، لكن اماكن أخرى تحتاج الى لقمة العيش، و اماكن تحتاج لحفظ دمائها، لذا الحاجة تصبح اكثر من الموجود والتقصير قد يحصل.

ماذا تمثل لك المطالعة والكتاب؟
اذكر شخصا اسمه الشيخ عبد الله شيعتاني كنت ازوره دائما وكانت له مكتبة ضخمة ويهتم كثيرا بالكتاب فقد علّق هذه الابيات من الشعر داخل المكتبة وانا متاثر بها كثيرا:
اجعلوا ان مت يوما كفني                  ورق الكتب وقبري المكتبة
وادفنوني وادفنوا الكتب معي             وانثروا الاوراق حول المتربة
فالكتاب هو عصارة حياة وافكار الآخرين ومن ضم الى عقله عقول الآخرين وصل.

نشرت في الولاية 106

مقالات ذات صله