الشيخ حسن الجواهري: الاعتقاد مــــــن دون عمــــل قـــــد يسلب من الإنسان، أما إذا اسعف بالعمل فلن يتمكن أحد من سلبه..

13

ماهر عبد الحسين

فاضل من فضلاء الحوزة العلمية العريقة، يمت نسبه الشريف إلى شيخ الطائفة صاحب الجواهر(قدس سره)، عالم ورع تقي، دمث الاخلاق واسع الافق، ناشط لخدمة اتباع اهل البيت(عليهم السلام)، وله باع طويل بتدريس البحث الخارج، ذلك هو الشيخ حسن ابن الشيخ محمد تقي الجواهري الذي كان للولاية معه هذا اللقاء.

 

هو الشيخ حسن نجل آية الله الشهيد الفقيه الشيخ محمد تقي الجواهري ابن المرحوم المقدس آية الله الشيخ عبد الرسول الجواهري ابن المقدس الشيخ شريف ابن المقدس الشيخ عبد الحسين ابن شيخ الطائفة صاحب الجواهر (قدس سره).
ولد سنة 1949م المصادف 1328هـ في محلة العمارة في دار اهله التي اصبحت الآن ضمن مدرسة السيد الخوئي(قدس سره) إذ وهب سماحته حصته من تلك الدار لأجل المشروع الديني الذي اهتم به السيد الخوئي(قدس سره) في تلك البقعة.

لو تحدثوننا أولا عن نشأتكم العلمية:
ولدت في أسرة عريقة عرفت بالعلم والفضيلة اذ كان محيطنا ينطق بالديانة والعلم والأدب العالي، فكنت في البيت اسمع قصص العلماء والأحكام الشرعية والمناقشة في امورها، وكنت في مسجد شيخ الطائفة صاحب الجواهر اصلي صلاة الجماعة خلف جدنا الشيخ عبد الرسول الجواهري الى جانب النخبة العالية من التقات المجتهدين، وكنت في الصحن الحيدري أجتمع مع ابناء جلدتي الأفاضل لنتحدث في الفقه والأصول والتفسير، وكنت في مجلس التعزية أستمع الى المناظرات العلمية بين العلماء في مختلف المسائل، وحتى في تشييع الجنائز أرى وأسمع مناقشة العلماء في ما بينهم، وحتى في المدرسة الابتدائية – وهي مدرسة منتدى النشر- كنت اصلي صلاة الجماعة إماما وأحفظ الشعر العالي واتفوق على أهل مرحلتي بامتياز.
وكنت ملتزما بملازمة الوالد الشهيد في الذهاب إلى مدرسة الخليلي، إذ كان الوالد الشهيد يلقي دروسه الفقهية والأصولية على جملة من الطلاب، كما كنت ملازما له في الذهاب الى مقبرة النجف الكبرى عصر الخميس، ولا أنسى حضوري في ديوان الأسرة المعروف بديوان صاحب الجواهر الذي كان يتزعمه آية الله الشيخ محمد حسين الجواهري وهو الجد الاكبر لوالدي رحمه الله، وكنت اسمع في ذلك الديوان ما يدور من مناظرات علمية وادبية واجتماعية واخبار سياسية.
في هذه الأجواء وفي مرحلة الدراسة المتوسطة والاعدادية كنا نحضر ندوة الأدب الرسالي التي كانت تعقد اسبوعيا لالقاء الكلمات فقد كنت عضوا فيها وكان لي السهم الوافر في ادارة هذه الندوة في جامع الهندي وكنت احضر أمسيات الرابطة الأدبية والمحاضرات التي كانت تقام في جامع الشيخ الطوسي من قبل الدكتور أحمد امين صاحب كتاب التكامل في الإسلام وكذلك المحاضرات التي كانت تقام في جامع الجواهري في مناسبات دينية مختلفة.
وكنت ادرّس الرسالة العملية للسيد الحكيم المسماة بمختصر منهاج الصالحين على بعض المكلفين الذين طلبوا مني ذلك في ذلك الوقت قبل التحاقي بكلية الفقه.

من أشهر الأستاذة الذين تتلمذتم على ايديهم:
في مرحلة المقدمات وفي السنين الأولى من كلية الفقه كنت ادرس على آية الله الشيخ محمد تقي الإيرواني في الفقه، والشيخ عبد الهادي حموزي في الفقه ايضا والشيخ محمد كاظم شماد في الأصول والشيخ عبد المهدي مطر في العربية والسيد مصطفى جمال الدين في العروض والمنطق والشيخ عبد الهادي الفضلي في العربية ايضا.
وكانت هناك دروس اضافية على الدروس الدينية في الانجليزية والتاريخ وعلم النفس والتربية، تدرس من قبل اساتذة يأتون من بغداد في كل اسبوع لإلقائها على طلبة كلية الفقه أمثال الدكتور عبد الرزاق محيي الدين والدكتور عناد غزوان وغيرهم.
أما في السطوح العالية: التي قرأت شطرا منها في كلية الفقه والشطر الآخر خارج الكلية فقد كان اشهر اساتذتي فيها هم اولاً: الوالد الشهيد آية الله الشيخ محمد تقي الجواهري في المكاسب وثانيا: آية الله السيد محمد حسين الحكيم ابن السيد محمد سعيد الحكيم في المكاسب ايضا وثالثا: آية الله الشيخ محمد تقي الايرواني في الكفاية ورابعاً: آية الله السيد علاء بحر العلوم في اللمعة الدمشقية وخامسا: آية الله الشيخ عبد الهادي الفضلي في اصول الفقه وأمّا مرحلة البحث الخارج فقد حضرت على جملة من العلماء والمراجع:
إذ حضرت على آية الله المرجع السيد ابي القاسم الخوئي (قدس سره) في دورته الأصولية الأخيرة التي قطعها وهو في مباحث الألفاظ وحضرت عنده في الفقه من كتاب الصوم إلى كتاب الزكاة والخمس ثم هاجرت الى ايران بسبب ابعاد النظام البعثي لنا وبحكم من المخابرات العامة في بغداد بحجة الخطر على امن الدولة.
وحضرت على آية الله الشهيد الوالد في بحث الفقه لمدة من الزمن حتى حصل التهجير، وحضرت على آية الله الشهيد الصدر محمد باقر في الأصول لفترة من الزمن حتى حصل التهجير، وقد واصلنا ابحاث السيد الصدر في مدينة قم على يد آية الله السيد كاظم الحائري الذي كان يلقي علينا دروس السيد الصدر التي يتلقّاها من النجف، ثم حضرنا بحث آية الله المرجع السيد محمد كاظم الشريعتمداري في الفقه وآية الله الميرزا جواد التبريزي في الفقه(خارج المكاسب) وحضرنا بحث آية الله الشيخ الوحيد الخراساني في الأصول كما حضرنا لفترة وجيزة بحث السيد علي الفاني في الفقه.

ما ابرز الأنشطة الفكرية والثقافية التي قمتم بها في ما سبق:
أؤمن بالتبليغ وإيصال الفكر والحكم والفائدة إلى الآخرين، وارى أن وظيفة الإنسان المسلم الملتزم هي نقل ما عندنا من كنوز علمية وثقافية ودينية إلى الآخرين ليهتدوا بها وليستفيدوا منها مثلما نحن نستفيد من هذا الدين العظيم، إذ أؤمن بمقولة الإمام علي(عليه السلام) حينما أوصى الإمام الحسن (عليه السلام): (احبب لغيرك ما تحب لنفسك).
لذا كنا ناشطين في إحياء الندوات والمشاركة فيها، فلا يخلو منا منتدى علمي او ادبي في النجف الأشرف، وكان من حظّنا أنْ التفّتْ حولنا جماعة من اهل الفضل للاستفادة من دروس الحوزة في جامع الجواهري وهم طلاب كلية الفقه زملاءنا في الكلية ولكن لأنني كنت متفوقا عليهم في هذه العلوم كان التجمع في جامع الجواهري لرفع مستواهم العلمي لنيل درجة النجاح، وقد كان النظام البعثي ينظر الينا نظر الريبة والحقد وما كان منهم إلّا ان تصدّوا لهذا الجمع اعتقالاً وتعذيباً وتشريدا بتهمة التجمعات الرجعية او الحزبية وكان هذا هو السبب الوحيد في تصميم السلطة البعثية على ابعادنا من العراق بتهمة الخطر على أمن الدولة بعد الاعتقال ثلاث مرات والافراج عنا بعدها.
وفي المهجر (مدينة قم) في سنة 1976م شرعنا في الاهتمام بالجالية العراقية هناك خصوصا بعد ان ضيّق النظام البعثي على المؤمنين فحصلت الهجرة والتهجير ففتحنا لهم المدارس الدينية لتثقيفهم الثقافة الدينية اولا ولاقتناص المجد منهم لالحاقه بالحوزة العلمية فكان لنا ذلك إذ كنا نشرف على مدرسة الشهيد الصدر ومدرسة الإمام الهادي ومدرسة الإمام المنتظر وكلها للعراقيين وكان لنا التدريس في معهد الشهيد الصدر (مدرسة الرسول الأعظم) وكنا ندرس في مدرسة المرجع آية الله الشريعتمداري التي كانت للطلبة العراقيين والأجانب الذين يدرسون باللغة العربية.
وقد حصل من هذا الإشراف على المدارس ثم على الحوزة العلمية العراقية مع بعض الإخوة كالشيخ باقر الإيرواني والشيخ محمد هادي آل راضي والسيد علي الحائري (حفظهم الله) جمعٌ غفير من طلاب الحوزة اصبحوا بعد ذلك اساتذة وخطباء ومؤلفين رفدوا الحركة العلمية والشبابية باعمالهم وخطابتهم ورعايتهم للشؤون الدينية في المهجر الأوربي والاشتراكي وغيرها فكانت حصيلة ذلك الاهتمام اكثر من ثلاثة آلاف طالب علم عراقي تربّوا في مدينة قم في الحوزة العلمية.
كما كان لنا اهتمام بالشباب في العراق فكنا نتواصل معهم عن طريق راديو طهران في برنامج «منار الأحكام» لإيصال المعلومات الدينية والفقهية والفكرية لهم في ظل النظام الذي منع أي تبليغ للشباب وجعله جريمة على المتلقي يحاسب عليها.
والتزمنا أيضاً بالحضور في المؤتمرات الدولية التي تعقد في الدول الإسلامية كمجلس الفقه التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي الذي كان يعقد في السنة مرة واحدة لبحث المسائل الجديدة من عقود عالمية أو موضوعات تطرأ على الساحة الدولية تحتاج الى بيان حكم الشريعة فيها، فكنّا نحضر بعنوان خبير في الشؤون الدينية لإيصال المعلومة والحكم والدليل الذي سار عليه علماؤنا الأبرار في ابراز الوجه الصحيح للدين الحنيف الذي وضّحه لنا الأئمة الأطهار تبعا للنبي (صلى الله عليه وآله) فكان حضورنا فاعلاً ومؤثراً وقد حصل من هذه المشاركات في المؤتمرات العالمية ابحاث متعددة طبعت في سبعة اجزاء تحت عنوان (ابحاث في الفقه المعاصر).

علمنا ان لديكم دراسات خاصة باحكام المعاملات الحديثة، نرجوا ان تتحدثوا لنا عن هذا الجانب بايجاز:
حينما اشتركنا بمجلس الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بدعوة من مجلس المجمع الفقهي بعد ان طلب منا الكتابة عن موضوع بيع التقسيط وحضرنا المؤتمر الذي انعقد في جدّة في دورته السابعة اطّلعنا على هذا المجمع الفقهي فرأيناه يهتمّ بالموضوعات والعناوين الجديدة التي تطرأ على الساحة العالمية وبعد ان طلب منا ان نشترك في هذا المجمع تحت عنوان خبير يطلب منه الكتابة في بعض الموضوعات، واصلنا العمل فيه الى دورته العشرين، وكنا في هذا المجمع نعرض الرأي الأساسي مع دليله مقارنا بينه وبين آراء المذاهب الأخرى في المواضيع التي كانت تسند الينا لبثّها في المؤتمر لأجل المناقشة.
وقد تجمعت لدينا ابحاث كثيرة نتيجة هذا العمل المتواصل جمعتها في اجزاء سبعة تحت عنوان (بحوث في الفقه المعاصر) وهي مطبوعة تحتوي على ابحاث جديدة في المعاملات، وكمثال على هذه الأبحاث اذكر لكم بعض الموضوعات الجديدة: بيع السلف وتطبيقاته المعاصرة، بطاقات الائتمان، المناقصات، تغيير قيمة العملة واثره في عقود العمل والبيوع الآجلة، المرابحة للأمر بالشراء، مشاكل البنوك الإسلامية وطرق حلها، الاستنساخ والاستئمام، اخلاقيات الطبيب، العلاج الطبيعي، العلاج التجميلي، مرض الأيدز وما يترتب عليه من احكام فقهية، عقود التوريد، عقود الصيانة وتكييفها الشرعي، القراءة الجديدة للقرآن والنصوص الدينية، الانجاب المدعوم طبيا، الجزاء المالي (الشرط الجزائي)، عقود الاذعان، ضمان الطبيب.
و قد نشر لنا جزءان من الفقه المعاصر وهو البحث الخارج الذي القيناه على طلابنا في النجف الأشرف الذي يحتوي على بحوث معاصرة قد بحثت بحثا استدلاليا معمّقا مع التوسّع فيها توسّعا يناسب البحث الخارج.
وكانت الغاية من هذه البحوث ايصال ما يجري على الساحة العالمية العلمية من انجازات جديدة لطلبة الحوزة الكرام الذين لم يسمح لهم الوضع الذي كانوا فيه من مسايرة هذه الأبحاث الجديدة وقد نشرنا هذه الأبحاث في كتاب (بحوث في الفقه المعاصر) قبل اكثر من عشرين سنة لأجل اطلاع الجيل الحوزي على هذه الأبحاث للمناقشة والاشكال وليس للعمل، لأن مجال العمل يرجع فيه الى المراجع العظام الذين هم أهل التقليد.

 

نشرت في الولاية العدد 78

مقالات ذات صله