عميد كلية العلوم السياسية

ان التلازم بين السياسة وادرة الدولة و المجتمع يجعل للسياسة امرا محوريا في سمو الأمم وقوتها ، وعكس الامر ينطبق على الأمم الضعيفة ، ويستمر هذا الضعف حتى يغير الله ما بهذه الأمة من ضعف حين تغير ما بنفسها، فالأمم القوية هي التي يحكم فيها الرأي العام على الحاكم والمحكوم جميعا، و تعد الحكومة وكيلةً عن الشعب مأجورة على وكالتها، فإذا هي حادت عن حدود الوكالة حاسبها الشعب، ومن اجل فهم بعض الاسس السياسية والمتغيرات الاقليمية والدولية ألتقت مجلة الولاية عميد كلية العلوم السياسية الدكتور صباح العريض وكان معه هذا اللقاء..

حاوره: هاشم الباججي

برأيكم هل تتعارض السياسة مع الاخلاق؟
اصل السياسة هي وادارة شؤون المجتمع وهي جزء من الدولة، ولكن للأسف مصطلح السياسة اصبح اليوم منحصراً عند الناس بالمصالح الخاصة والفئوية وغير الاخلاقية وغير الشرعية، بينما المصطلح في الادبيات السياسية اليونانية والرومانية القديمة وحتى في الادبيات الاسلامية وعند اهل البيت عليهم السلام ملخصها ادارة شؤون الدولة وادرة شؤون المجتمع لذا يصبح من الضروري الاهتمام بالشأن السياسي لدوره الفاعل في ادارة الدولة ومعايش المجتمع

ما أبرز الانظمة السياسية في العالم من حيث أشكالها؟
اشكال الحكم تتعدد وتختلف حسب طبيعة المجتمع، هنالك نظام ملكي وجمهوري رئاسي وانظمة برلمانية وهذا يأتي نتيجة الاختلاف في نتاج لطبيعة التفاعلات المجتمعية فتحدث مجموعة احداث وظروف في المجتمع هي التي تحدد شكل النظام، وهدف أي نظام سياسي رغم تعدد اشكاله ينقسم الى قسمين: اولا التنشئة السياسية وهو تنشئة اجيال للحفاظ على الدولة، وثانيا امن المجتمع بكل انواعه من امن اقتصادي وفكري وشخصي …

ما المنظور الاسلامي لإدارة الدولة؟
هنالك الكثير من الاشارات في التراث الاسلامي لأهل البيت صلوات الله عليهم بما يطلق عليه بإدارة الدولة ، فمنذ اجتماع السقيفة بعد وفاة الرسول الاكرم صلى الله عليه واله والاحداث التي حصلت فيها ، وبعد وصول الخلافة الى الامام علي عليه السلام الذي لم يكن في سعة من امره بل كان حكمه تحديات ومخاطر وكذلك الائمة من بعده وهذا ترك اثرا واضحا على مفهوم الفكر السياسي الاسلامي، لذا لم يكن للفكر الاسلامي حرية في الفكر وابداء الرأي الا النزر القليل ، وهذا ما جعل الفكر السياسي هو حقل غربي اكاديمي حاول الغرب انضاجه وتطويره ، لذا فالدول الشرق الاوسطية فاقدة لحرية التفكير فاغلب نظرياتها لاسيما بعد غلق باب الاجتهاد السياسي السني أغلقت حرية التفكير بقصد لان عليك اتباع الحاكم برا كان ام فاجرا ، فيما تركزت نظرية الحكم عند مدرسة ال البيت عليهم السلام على قاعدة اللطف الالهي فالله جل وعلا يلطف بعباده ليختار لهم حاكم (الله اعلم حيث يجعل رسالته) ، واعتقد ان نظرية شيعية متكاملة بكل ابعادها في الحقل السياسي الحديث لم تصنف لحد الان .

بعد مرور مائة عام على اتفاقية سايكس بيكو هل هناك مشروع جديد ؟ وهل مشروع الشرق الاوسط الجديد والفوضى الخلاقة هو البديل ؟
منطقة الشرق الاوسط منطقة ملغومة ولأسباب معروفة لدى الاعم الاغلب لآنها منطقة استراتيجية وثروات العالم وكذلك الابعاد الروحية والذي يتجاوزها الكثير وان اوكد عليها، ولعل كلمات الرؤساء الامريكان تؤشر ان هناك ابعاداً روحية واضحة ، فمنطقة الشرق الاسط تكاد تكون المنطقة رقم واحد بالعالم وعليه كل الخطط والاستراتيجية بالعالم تتقاطع في هذه المنطقة وقد شهدنا نتائج اتفاقية سايكس بيكو وقد اكد كيسنجر قبل سنة او اكثر نحن بحاجة الى سايكس بيكو جديدة، وتغيير المنطقة والخارطة الجديدة ستكون على ما ستنتج عليه الامور في سوريا والعراق، فالزيارة القادمة لبايدن الى انقرة ستكون زيارة تاريخية مهمة جدا وقد صرح رئيس وزراء تركيا بان هناك ستكون احداث مهمة في المنطقة خلال 6 اشهر القادمة وستكون سوريا نقطة انطلاق لجملة متغيرات في الشرق الاوسط العراق وتركيا وايران ولبنان والخليج العربي كل هذه الامور تؤكد بان هناك ترتيبات جديدة ستحدث في الشرق الاوسط و ستتغير الامور ولن ترجع الامور الى عهدها السابق لان الغرب سيرسم الخارطة الجديدة حسب مصالحه وان هذا التغيير سيترك اثاره الارتدادية على دول الخليج قاطبة.

كيف تقرؤون واقع المشهد السياسي العراقي؟
مشهد مرتبك على اعتبار عدم وضوح الاهداف التي تجمع العراقيين وتوحد خطواتهم فهناك صراع شيعي سني كردي، فهناك حرب الكل ضد الكل كما قاله هوبز وهذا الوصف يوصف المجتمعات البشرية ماقبل ظهور الدولة فهذا حال العراق لان الدولة ضعيفة وغير قادرة على تطبيق القرار وهناك تقاطع ما بين القيادات السياسية، والمشكلة الكبرى في السياسة هو ان القيادات الشيعية غير متفقة على رؤية واحدة على مشروع وطني، اتصور لو كان هناك اتفاق وطني شيعي حقيقي واضح المعالم لكان اساس لحل كل المشكلات، فعدم وضوح الرؤيا والمصالح هي التي تقود العملية السياسية وجعلت الارتباك سائد في العملية السياسية لذا صنف العراق من بين ابرز الدول الفاشلة لذا يجب مواجهة الحقيقة ويجب تشخيص المشكلة بعدم وجود تخطيط وعدم وجود خطوات عملية لمعالجة المشاكل ولاوجود للمحاسبة.

للرأي العام وقادته دور كبير في تغيير الواقع ، برأيكم ما مدى تفهم الشعب لهذا الدور؟
كل شعوب العالم تقاد من قبل قادة الرأي ولكن في العراق تنطبق عليهم الاية كل حزب بما لديهم فرحون فالقلة القليلة التي تتكلم بالرؤية الوطنية العامة، هناك حاجة لاستكمال صورة راي العام في المجتمع فليس هناك رؤية متكاملة في الصورة المجتمعية فتقاطع المصالح يؤدي الى عدم وجود رؤى متوافقة ، وحل مشاكلنا الاجتماعية تبتدأ من خلق نخبة تعطي تصور يصب في خدمة المجتمع، وعلى جميع الافراد في المجتمع تقع المسؤولية فيجب ان يكون هناك وعي مجتمعي ويجب الاحساس بالآخرين فلا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، ولكن عوامل النجاح موجودة رغم التحديات الاقليمية والدولية والعراق امة ذات عقيدة واضحة المعالم و العراقيين لديهم عقيدة وتمسك باهل البيت عليهم السلام وهذا اصل قوتنا ، فالغرب يدرك جيدا طبيعة التشيع وقوته، لذا جاؤوا بنظرية الديمقراطية التوافقية التي سببت كل هذا الضعف والفساد في الدولة، والنظام العراقي اليوم ليس بنظام ديمقراطي لأنه يفتقد الى اسس الديمقراطية الحقيقية .

ما أثر بعض الاطروحات الدينية في المجتمع؟
الشعب العراقي معروف بالتزامه وتدبنه ويتأثر بالدين واطروحاته، ولكن المشكلة تكون بطبيعة بعض الطروحات التي لا تجد لها صدى في العالم لا نها تتقاطع مع مصالحه، فبعض الاطروحات الدينية مؤثرة داخليا وغير مؤثرة خارجيا.

هل نظام الدولة في العراق بحاجة الى الاصلاح السياسي؟
سؤال مهم ولكنه اشبه بالتعجيزي، العراق اليوم اشبه بشخص داخل حلقة مفرغة، ولابد من بدابة صحيحة وتكون باختيار الشخص الصالح والانتخابات قادمة والكثير من السياسيين مجربون ونصيحة المرجعية واضحة المجرب لا يجرب، ويجب المشاركة واثبات دور المجتمع بالتغيير ، وللعلم فان الانتخابات ستجري حتى لو كانت نسبة المشاركة 10 % واعتقد ان جل الاطراف لا يهمها حقيقة مدى مشاركة الشعب وهي ستشيع وتعول على عدم الذهاب للانتخابات حتى تبقى في ادارة البلاد، ومن ناحية اخرى يجب ان يكون الاصلاح في بعض مؤسسات الدولة وعددها وهدر اموال الدولة ، فانا اومن ان دور مجلس النواب سلبي ودور مجالس المحافظات هو حلقة زائدة جدا باعتبار ان مجلس النواب وممثلي المحافظة موجودين داخل مجلس النواب فلا داعي لوجودهم والتجربة التاريخية من 2004 قد اظهرت فشل دور مجالس المحافظات في الوظيفتان التشريعية والرقابية بل اصبحت عنصر معرقل في عملية البناء والاعمار، فمثلا الكونكرس الامريكي عدد اعضاءه اكثر من 400 بقليل بالرغم من ان نفوسهم 300 مليون ومجلس النواب العراقي عدد اعضاءه 328 عضو وتعداد النفوس 30 مليون

دور فتوى المرجعية في عملية حفظ وصيانة العراق؟
انا متأكد ان هذه الفتوى عملت على تغيير المعادلة الدولية في اقليم الشرق الاوسط وقطعا تجاوزت المدى العراقي لتصبح عنصر فاعل في المعادلة الدولية وكان المراد اسقاط العراق وكانت الامور مهيأة وجاءت الفتوى لتقلب المعادلة لتبث روح غريبة لدى الناس وهناك بوادر عمل مصلح داخل المجتمع ولكن هذا العمل المصلح تحتاج الى جهود اصلاحية تكميلية سياسية والتي تنأى المرجعية من الدخول بالتفاصيل الدقيقة لعمل الدولة ، ولم تكن امريكا والدول الاقليمية كالسعودية وتركيا تتوقع امرا كهذه الفتوى ، لان الامر في العراق وصل الى حد النهاية فلا يستجيب الشعب لأي من قيادته الدينية او السياسية ولكن الحمد لله الشيعة تحديدا ضربوا مثالا رائعا في الالتزام والوطنية وقد دافعوا عن اراضي هم لا يسكنوها ودافعوا من اجل الوطن والشعب العراقي ليثبتوا انهم اهلا في الالتزام الديني والوطني

نشرت في الولاية العدد 98

مقالات ذات صله