حوار: هاشم محمد
في ضوء قراءاتكم للمجتمع كيف تقيّمون الواقع الفكري فيه؟
لا نستطيع ان تقيّم الواقع الفكري والعلمي في المجتمع دون وجود استبيان او دراسة على الارض ومعرفة عناصر القوة والضعف في هذا المجتمع او ذاك ، ولكن على نحو الاضاءة العامة نرى ان المجتمع لا يزال يعيش مرحلة التحول من ثقافة الى ثقافة اخرى ما زال يعيش مرحلة الرجوع الى ما يمكنه ان يصلح مستقبله و واقعه في جميع مناحي المجتمع العلمية والاجتماعية والسياسية والفكرية .. ، فبعد مرور حقبة طويلة خلال القرن العشرين وما مر بها من حالة الصراع التي لا تخلو من جوانب مضيئة ، لكن في هذه المرحلة يبحث المجتمع عن كيفية بناء نفسه ، فالمجتمع كان يعيش حالة الانغلاق الفكري والحضاري ، ولكن وبشكل مفاجئ أصبح امام العالم وتطوره من خلال الفضائيات الكثيرة وشبكة الانترنت ومواجهة الثقافة المنفتحة ، ففي مثل هذا الجو لا يمكن ان تكون هناك حالة عامة نستطيع ان نعطي وصفا دقيقا لما يعيشه المجتمع ، ويمكن القول ان المجتمع في مرحلة التغير والبناء في الحالة العلمية والفكرية ، فمجتمعنا مجتمع واع ليس منغلقا ونحتاج لترشيد هذه الحالة واعطاء افق ما يمكن ان يكون في المستقبل عليه في هذا المجال .
بما انكم تشرفون على احدى المؤسسات العلمية والفكرية ، برأيكم ما دور هذه المؤسسات في بناء المجتمع فكريا وثقافيا ؟
اعتقد في واقعنا المعاصر نعيش تيارين يطغيان على الحالة العامة في المجتمعات كافة حالة التطرف والمغالاة ، وحالة الابتعاد التام عن الدين ، وهذان الافقان هما المسيطران على الحالة العامة ، والازمة الاصولية وابرزها الاصولية الاسلامية بما تتمظهر فيه من قتل واجرام ، وحالة الابتعاد عن الدين لإلغاء دور الدين في الحياة، نحن نعتقد ان هناك تيارا وسطيا بين هذين المسارين وهذا التيار الوسطي أحد اعمدته الحوزة العلمية في النجف الاشرف وهي المهيأة فعلا لقيادة تيار الاعتدال والوسطية ويستطيع بشكل واع ان يجمع ما بين الدين والعقل لتحمل الى البشرية رسالة واضحة المعالم ، فما تكتنزه الحوزة العلمية من تراث وخصائص ومفكرين لم تأخذ افكارهم دورها في الحياة العامة بعد ، والعمود الثاني هم الاكاديميون الذين من الواجب عليهم ان يلعبوا دورا مهما في ترسيخ هذه الثقافة الوسطية في المجتمع ، والحوزة والاكاديمية هما الرافدان الاساسيان لبث العلم داخل المجتمع ومنهما تنطلق مؤسسات علمية وثقافية كثيرة – كمراكز الدراسات والمؤسسات الثقافية والدينية وحتى رسائل الماجستير والدكتوراه وغيرها – يمكن ان تلعب دورا مهما في تغيير الواقع الفكري والثقافي وهذه خاصية موجودة في المجتمع العراقي بشكل خاص.
ذكرتم حالة التطرف ، وما نلاحظه ازدياد حالة التطرف الديني والفكري في العالم ، برأيكم ما سبب ازدياد هذه الحالة ؟
جزء من هذه الاسباب أعزوه للفشل السياسي الذي تعيشه الامة وبشكل خاص المنطقة العربية وهذا الفشل السياسي يلقي بظلاله على نزوع الافراد الى تفسيرات ونظريات موغلة بالتطرف من اجل الخلاص من اوضاعهم الفعلية ، واستغلال النزعة الدينية او الحب الفطري بالدين والايمان بالله ، وهناك استغلال من بعض اصحاب النظريات وبعض اصحاب الفهم السقيم للدين والقران والسنة من استغلال هذه الحب وهذه العاطفة القوية كما نجد في مجتمعنا من ادعياء المهدوية واصحاب السفارة الخاصة للامام المهدي عجل الله تعالى فرجه وهؤلاء يحاولون استغلال هذا الترابط بين الناس والامام ، لذلك يوجد من يستغلهم بدعوى السفارة او الرؤيا او تهيئة عصر الظهور او غيرها وايضا من الاسباب المهمة نفور الشباب من الواقع الصعب المعاش ومحاولتهم التخلص من هذا الواقع ، والتطرف الاسلامي الذي ظهر بظهور الحركات المنحرفة لفهمها السئ للدين فاخذت بالقتل والتكفير والتهجير على حساب انسانية الانسان.
من الملاحظ ان بعض الشباب بدأ يبتعد عن الدين واخذ يؤمن بعضهم بأفكار غريبة لا تمت الى واقعنا بصلة ؟
اتصور ان واحدا من الأسباب هو الفشل السياسي الذي تعيشه البلاد وحالات الفساد الذي ينخر الدولة ومؤسسات الدولة التي اديرت بأشخاص يحسبون على الاسلاميين او الاحزاب الاسلامية وهذا جزء من الاسباب ، والجزء الثاني هو الانفتاح الثقافي العام الذي واجهه البلد بدون ان تكون هناك تهيئة مسبقة للثقافة الوافدة ، فثقافة الالحاد والابتعاد عن الدين كانت كنتيجة لعدم وجود برامج تعبوية ثقافية من جميع المؤسسات التي تهتم بشؤون المجتمع ،وكذلك عدم تمكن بعضهم من الاجابة على تساؤلات الشباب سواء تساؤلات خاصة او يسمعونها ساعد الى انتشار هذه الثقافة، صحيح ان مساحة الحرية لطرح الافكار امر جيد ولكنه يحتاج الى استعداد اجتماعي وثقافة واعية لمواجهة الكثير من هذه الثقافات الوافدة .
برأيكم ما الحلول الناجعة للتصدي والوقوف بوجه هذه الثقافات المنحرفة وتوعية المجتمع ولا سيما الشباب الى ذلك ؟
مجتمعنا مجتمع شبابي يحتل الشباب فيه اكبر فئة عمرية وهذا يحتاج الى نوع من الخطاب تستطيع ان تقوم به بعض المؤسسات الدينية كالعتبات وغيرها بأن تقوم ببرامج ثقافية واسعة على مستوى العراق في بث الخطاب الديني المعتدل المتناسب مع العقلية الجديدة في هذا القرن ، فهذا الشباب الذي يزدحم في مسيرة الاربعين لزيارة الحسين عليه السلام هو في نفسه سوف يجد في ارتباطه باهل البيت عليهم السلام ويستطيع ان يكون مؤثرا في الجو الشبابي ، وهذه مسؤولية الجميع فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فتكاتف الجميع لبناء المجتمع لعلاج هذه المشكلة على الاصعدة كافة افراد ومجتمع ومؤسسات فكل شخص هو معني في ترشيد الحالة الثقافية واذا لم يقم كل بدوره فسوف لن ترسو السفينة على شاطئ النجاة
نشرت في الولاية العدد 101