علاء حيدر المرعبي
تعد الصحافة في النجف الاشرف من اهم الروافد الفكرية في نشر العلم والثقافة بين الافراد الذين يعيشون في كنف هذه المدينة المقدسة، ورسالة مهمة في نقل وترويج العلوم والثقافات التي يريد العقل النجفي تصديرها الى الافراد الذين يعيشون خارج نطاقها، باعتبار ان الصحافة من اهم الروافد الفكرية المعتمدة في نشر المفاهيم وترويج الثقافات وتواصل الامم بعضها مع بعض.
وعلى الرغم من الصعوبات والعقبات الشديدة التي وقفت في وجه هذا الفن المهم في هذه المدينة بشكل عام، بسبب مشاكل في الامكانيات من النواحي الاقتصادية والسياسية والخبرات الفنية التي يحتاجها العاملون للتطور والابداع في هذا المجال، الا ان الكتاب والادباء والمثقفين النجفيين برعوا في دفع عجلة الصحافة في النجف الاشرف دفعة قوية الى الامام معتمدين في ذلك على صفاء الفكرة ونقاء السريرة والذوق الرفيع في خلق صحافة ذات تأثير لا ينكر في الفكر العراقي، بل في الفكر العربي والاقليمي ايضا.
نشأة الصحافة النجفية ونموها
لقد احس المفكرون والمثقفون النجفيون منذ فترة طويلة بأهمية هذا الفن الحيوي، فتصدوا لانتاج اقدم الصحف والمجلات وفق الامكانيات المتاحة، ضمن محاولات عديدة اعتبرت مرحلة مهمة من مراحل الحركة العلمية الرائدة في تاريخ النجف الاشرف، وبالرغم من ان الكثير من تلك الخطوات الجريئة لم تستمر فترات طويلة -إذ ان العديد من النتاجات الصحفية كانت قد اغلقت بعد مرور فترة قصيرة على ولادتها- الا انها مثلت بواكير الصحافة النجفية التي نشهد اوج رواجها وانتشارها في هذا العصر.
ففي بداية الامر، شهدت هذه المدينة المقدسة في العامين 1909-1910م ظهور اول الانتاجات الخاصة بها في مجال الصحف والمجلات، إذ صدرت مجلة الغري عام 1909 ودرة النجف عام 1910 وصحيفة نجف اشرف في العام نفسه.
ولعل صدور مجلة العلم(1910م) لمنشئها العلامة السيد هبة الدين الشهرستاني، كان خطوة مميزة وقفزة رائدة في مضمار الصحافة النجفية، بل العراقية ايضا، لما حوته هذه المجلة من مواضيع متعددة ومتنوعة، في الوقت الذي كانت تصدر فيه مجلات وصحف عراقية اخرى، تبحث في موضوعات دينية تبشيرية معينة وضمن طوائف محدودة من الناس، كمجلة زهرة بغداد ومجلة الايمان والعدل وغيرها(1).
وبعد اندلاع ثورة العشرين في العراق، ظهرت في النجف الاشرف صحف تتناول احداث هذه الثورة واخبارها وتروج لها، كصحيفة الفرات وصحيفة الاستقلال اللتين صدرتا في العام(1920م)، ومن الجدير بالذكر ان صحيفة الاستقلال كانت قد صدرت على خلفية تحرير الثوار لمدينتي النجف وكربلاء من سيطرة الاحتلال البريطاني انذاك(2).
وبعد انتهاء حقبة الثورة، واستقرار العراق سياسيا، ظهرت صحيفة النجف في العام 1925م ثم صدرت مجلة الحيرة عام(1927م)(3).
ثم شهدت الاعوام (1930-1940م) والسنوات التي تلتها بداية الازدهار الصحافي في مدينة النجف الاشرف، وذلك بعد صدور عدد لا يستهان به من الصحف والمجلات، حررتها اقلام نجفية مبدعة، حتى عدت الصحافة النجفية في طليعة الصحافة العراقية ومقدمة الصحافة العربية(4).
ومن جملة الصحف التي صدرت في تلك الفترة صحيفة الفجر الصادق عام (1930م) وصحيفة الراعي عام(1934م) وصحيفة الهاتف عام(1935م) التي احتلت مكانة كبيرة في مضمار دراسة الادب والحياة الاجتماعية والسياسية في العراق.
اما على مستوى المجلات فقد ظهرت مجلة الاعتدال عام (1932م) على يدي صاحبها محمد علي البلاغي، وكتب فيها كتاب كبار، وبحثت مواضيع متنوعة ادبية وعلمية واخلاقية واجتماعية وتاريخية.
وظهرت مجلة المصباح لصاحبها محمد رضا الحساني عام(1934م) ثم تنازل عن الامتياز فيها للسيد محمد صالح بحر العلوم، وقد نشرت هذه المجلة العديد من الابحاث القيمة في التاريخ والادب وعالجت قضايا سياسية ايضا، وفي العام(1937م) اصدر الشيخ محمد حسن الصوري مجلة الحضارة التي اهتمت كثيرا بالابحاث الادبية والاخلاقية، وبعدها بعام صدرت مجلة القادسية لصاحبها محمد رضا الحساني، واهتمت بالنواحي الادبية والثقافية.
وفي العام(1939م) صدرت مجلة الغري لصحابها الشيخ عبد الرضا ال كاشف الغطاء، وتعد هذه المجلة الوحيدة التي استمرت في الصدور مدة طويلة، حيث صــدر عـــددها الاخــير عـــام (1964م)(5)، وفي العام(1941م) صدرت مجلة المثل العليا لصاحبها كاظم الكيشوان ومديرها المسؤول المحامي محمد عجينة، وقد عنيت هذه المجلة بالادب النجفي وتناولت موضوعات اجتماعية ايضاً(6).
وفي العام(1947م) صدرت مجلة العدل الاسلامي لصاحبها محمد رضا الكتبي، واهتمت بالثقافة والادب، وفي نفس العام صدرت مجلة البيان لصاحبها علي الخاقاني، وهي مجلة اسبوعية ادبية اجتماعية جامعة، وصدرت في هذا العام ايضا مجلة الدليل لصاحبها موسى الاسدي ورئيس تحريرها عبد الهادي الاسدي، وفي العام(1948م) صدرت مجلة الشعاع لصاحبها الشيخ عبد الهادي العصامي، وهي مجلة اسبوعية علمية ثقافية عامة استمرت بالصدور الى سنة(1950م) مع عدة ملاحق بلغت ستة(7).
وفي العام(1948م) ايضاً صدرت نشرة البذرة، وهي نشرة مدرسية تحررها لجنة تآخي الطلبة في منتدى النشر في النجف الاشرف، ثم تحولت بعد ذلك الى مجلة كتب فيها من رجال الفكر مجموعة ممتازة، وسمي صاحبها في سنتها الثانية السيد هادي فياض ومديرها المسؤول المحامي وزير النجم.
وفي العام(1948م) صدرت مجلة العقيدة لصاحبها فاضل الخاقاني، وهي مجلة اسبوعية للسياسة والعلوم والاداب، انتقلت فيما بعد الى بغداد وتحولت الى صحيفة سياسية، وفي عام(1949م) صدرت مجلة لواء الوحدة لصاحبها عبد الرسول كاشف الغطاء، وهي مجلة دينية ثقافية اسبوعية، وقد صدر العدد الاول من سنتها الثالثة ممتازاً وخاصاً بيوم الغدير في 32 صفحة(8).
واستمرت الصحف والمجلات والنشرات بالصدور في النجف الاشرف في الاعوام التالية، ولكن الملاحظ ان الكثير منها انقطع بعد صدور اعداد قليلة منه، وقد عزا بعضهم السبب الى مشاكل مختلفة، منها سياسية، ومنها اقتصادية.
الفترة المظلمة للصحافة في النجف الاشرف
حينما تسلط نظام البعث البائد على كرسي الحكم في العراق، اصيب العديد من المفاصل الحيوية والبنى الفوقية للشعب العراقي بحالة من التشوّه والضياع، لان ذلك النظام قد اتبع اسلوب تجهيل شرائح الشعب العراقي لاجل ان يكون حكمه وافكاره وتعاليمه هي الثقافة الوحيدة النافذة والسائدة في اوساط هذا الشعب.
وكنتيجة طبيعية لذلك، اندثرت الصحافة العريقة في النجف الاشرف، ولم تعد تصدر فيها مجلة ولا جريدة، واذا ما صدرت فانما تصدر دعما لسياسة النظام وسعيا لترويج افكاره، في الوقت الذي كان فيه الكثير من الصحفيين النجفيين الاحرار قد اعتزلوا الكتابة والعمل في هذا المجال، خشية ان تكون اقلامهم مأجورة لصالح هذا الطاغوت المتسلط.
عودة الصحافة النجفية من جديد
وبعد ان انقشعت سحب الظلام التي عمت العراق بالظلم والاذى، سرعان ما أشرعت الاقلام، وسودت الصحائف وانفتحت الصحافة على مصراعيها في هذه المدينة المقدسة، فاظهر النجفيون قابلياتهم الفذة على تحدي العقبات الكؤود التي تقف بشكل طبيعي امامهم بعد هذه المصاعب الشديدة.
وبالرغم من المشاكل التي كان يعانيها النجفيون بشكل عام – كما كان يعانيها الكتاب والصحافيون في بواكير العمل الصحفي في النجف- الا ان ذلك لم يحل دون ان يصدر العديد من الصحف المحلية والمجلات المختلفة، السياسية والاجتماعية والثقافية وغيرها، حتى بلغ معدل ما يصدر من هذه الاعمال الصحفية حدا لم يشهد له تاريخ الصحافة في النجف مثيلا على الاطلاق.
ولكن، لا بد من الاشارة الى ان هذه الحركة الصحفية الواسعة ابتليت بالكثير من السلبيات ايضا، إذ منيت الصحافة في النجف الاشرف بمن خاض فيها ممن ليس لهذا الفن بأهل، فظهور كم هائل من مجلات وصحف تنتهج منهجا واحدا في طرح الافكار، وغياب الدراسة المنهجية الرصينة لهذا العمل.. مضافا الى انتشار الوسائط الاعلامية الاخرى بكثرة هنا وهناك، ادى الى حالة من التراجع في حال الكثير من الصحف والمجلات التي تصدر اليوم، الامر الذي يحتاج الى خطوات جادة وجريئة لاجل تغيير هذا الواقع قبل ان تستفحل المشكلة وينفصل الناس عن هذا الرافد الثقافي المهم.
الولاية.. امتداد لجذور عمرها 100 عام
ومن هنا، سعى العاملون في العتبة العلوية المقدسة الى قطع اشواط في تطوير العمل في مضمار الانتاج الصحفي للحفاظ على اصول المهنة الاصيلة، ولتكون نتاجات هذه البقعة المقدسة الوريث السليم للصحافة النجفية ذات العمق التاريخي الممتد قرناً من الزمان، لذا تجد ان العتبة العلوية عملت على احياء بعض النتاجات الصحفية التي نشأت في الحقبة الاولى للصحافة في النجف الاشرف، كاعادة طبع مجلة العلم ومجلة الاعتدال.
ودأب العاملون في قسم الاعلام في العتبة العلوية على تطوير مجلة الولاية -المجلة الصادرة باسم العتبة العلوية المقدسة- معتمدين في ذلك على خلفيات واهداف محددة، لتكون مثالا يحتذى به في مجال العمل الصحفي ان شاء الله تعالى.
لقد عملت شعبة الصحافة في قسم الاعلام على اعتماد منهجية العمل الصحفي الملتزم بالضوابط المهنية، منتهجة اسلوب الصحافة ذات الطابع الاجتماعي والادبي العام، باعتبار ان هذا الاسلوب من اكثر الاساليب تأثيرا في المتلقي، واكثرها فاعلية في نشر الافكار، على ان هذه الفكرة لم تكن وليدة الساعة، وانما التفت اليها ودعا لها صحافيون كبار عملوا في هذا الفن منذ نشأة الصحافة في النجف، فقد قال جعفر الخليلي(9) في مقال له في صحيفة الهاتف: ان الصحف الادبية والاجتماعية اجدى نفعا من الصحف السياسية لكونها اكثر فاعلية وقدرة ثقافية وعلمية على تنمية ثقافة الشعب. لذا كان الخليلي يطالب الدولة العراقية والجهات المسؤولة انذاك بدعم وتنظيم عمل الصحافة الاجتماعية كجزء من مشروع وطني شامل للاهتمام بالعقل العراقي العميق.
وقد حرص العاملون في تحرير مجلة (الولاية) على انتهاج اسلوب البساطة وعدم الاسهاب في طرح الافكار والخطاب، والعناية بحسن الاخراج وجمال التصميم، باعتبار ان المتلقين في هذا العصر بشكل عام صاروا معتادين على اسلوب المعلومة السهلة والسريعة المدعومة بالصور ذات التقنية العالية في الشكل والمضمون.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- الحياة الفكرية في النجف الاشرف- الدكتور محمد باقر البهادلي
2- موسوعة علي بن ابي طالب والنجف- ضياء الشيخ صالح ال كاشف الغطاء- ج2ص 258
3- تاريخ الصحافة النجفية(مقالة) عبد الرحيم محمد علي- مجلة افاق نجفية- العدد5.
4- الحياة الفكرية في النجف الاشرف.
5- موسوعة علي بن ابي طالب والنجف -ج2ص 273.
6- ضم كتاب الحياة الفكرية في النجف الاشرف تواريخ وتفاصيل الصحف والمجلات الصادرة في النجف الاشرف قديما، وقد قسم فترات صدورها الى ادوار ثلاثة، الاول ابتدأ عام 1910-1912م، والثاني مع اندلاع ثورة العشرين الى استقرار العراق سياسيا، والدور الثالث عبر عنه بمرحلة الازدهار، وكانت في الثلاثينيات والاربعينيات من القرن العشرين- الحياة الفكرية في النجف الاشرف ص111- 120ولكن الاستاذ عبد الرحيم محمد علي جعل تلك الادوار اربعة، والدور الرابع يختص بفترة الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، يضم اواخر العهد الملكي والعهد الجمهوري- تاريخ الصحافة النجفية.
7- تاريخ الصحافة النجفية.
8- تاريخ الصحافة النجفية.
9- محرر صحيفة الفجر الصادق وصحيفة الراعي وصاحب موسوعة العتبات المقدسة.
نشرت في الولاية العدد 80