الروائي نعيم آل مسافر

13598858_1181744378536475_1275468123_n

محمد العلوي

نعيم عبد الامير آل مسافر من مواليد 1970 العراق ابتدأ النشر عام 1988، عضو اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين، وعضو منتدى الشطرة الإبداعي. صدر له: مجموعتان شعريتان (غريب الحق)، و( كبوة جواد)، ومجموعة قصصية بعنوان: (تجاعيد وجه الماء)، ومجموعة من النصوص المسرحية: (الرواق الاخير، شظايا الأصابع البنفسجية، خروج عن النص) ، و نصوص ادبية بعنوان: (حسون ٣١٣)، ومن ثم ذروة أعماله رواية ( كوثاريا)، ورواية (أصوات من هناك).. وغيرها الكثير … ونال لجهده هذا مجموعة من الجوائز مجموعة من الدروع والشهادات التقديرية ابرزها جائزة محمد الحمراني للرواية عام ٢٠١٢ عن رواية كوثايا.. مجلة الولاية التقت نعيم آل مسافر وكان لها معه هذا الحوار:

كيف كانت بداياتك مع الرواية؟
كانت البداية مع الشعر الشعبي، وفي فترة التسعينات اتجهت الى القصيدة المنبرية، لأنها كانت قصيدة مقاتلة آنذاك، كتبتها بطريقة جديدة إذ كنت أستمد من واقعة الطف أحداثها وأسقطها على الواقع المرير الذي كنّا نعيشه، وكانت لدي الكثير من الأفكار التي اريد التعبير عنها لكن الشعر لا يستوعبها، حتى وجدت ظالتي في احد الايام عندما قرأت لقاءً لأحد الكتاب يقول: (ليس هنالك حدود فاصلة للكتابة في اجناس أدبية مختلفة). فجربت في كتابة اجناس ادبية مختلفة، كتبت في المسرح ثلاثة نصوص مسرحية قُدمت على خشبة المسرح وطبع بعضها وحصلت على جوائز. جربت في القصة القصيرة وكانت نتيجة تلك التجربة مجموعتين قصصيتين وجائزتين في القصة القصيرة. ثم جربت في الرواية وكان عمري قد ناهز الأربعين وهو العمر الروائي المناسب كما يقول الروائي البيروفي فارغاس يوسا في كتابه (رسائل الى روائي شاب)، وكانت البداية مع رواية كوثاريا، وعلى بساطة تلك التجربة اكتشفت ان كل الذي كتبته قبل رواية كوثاريا من نصوص في اجناس ادبية مختلفة، كان بمثابة تمارين احماء لأكون مهيأ لكتابة الرواية. كتبت بعدها رواية (أصوات من هناك) التي مازالت مخطوطة تنتظر الطبع، ورواية ثالثة اوشكت على الانتهاء من كتابتها.

بمن تأثرت في كل ذلك؟
في الحقيقية تأثرت بكل من قرأت لهم، وبكل ما قرأت من كتب حتى غير الأدبية منها. ولكن كانت هنالك قراءات بمثابة نقاط تحول. ففي الشعر تأثرت بعريان السيد خلف ومظفر النواب والفتلاوي واخرين. وفي القصة القصيرة بالقاص العراقي محمد خضير وبالقاص المصري يوسف ادريس والفرنسي اورلين مونرواه، وفي الرواية احمد خلف وعلي بدر وماركيز وكونديرا وكافكا وباولو كوهيلو واخرين. لكنني منذ البداية لم أقلد أياً منهم وفي اي جنس ادبي كتبت فيه، وحاولت ان تكون لي طريقتي الخاصة في الكتابة.

ما الفارق برأيك بين القصة والرواية؟
القصة كما هو معروف تتناول حدثا واحدا لأشخاص معدودين في زمن محدد، بالاضافة الى الاقتصاد في اللغة والتكثيف، ولها تقنياتها الخاصة. اما الرواية فهي عالم رحب، و من الأجناس الادبية الشاملة، تتناول عددا كبيرا من الأشخاص ولربما لعدة اجيال، ومن الممكن ان تضم أجناسا ادبية أخرى كالشعر والقصة والمسرحية. الرواية لها القدرة على التعبير عما في ضمير الكاتب ولأدق التفاصيل، اعتقد أن مرحلة ما بعد التغيير كانت مرحلة الرواية، بل ان الوطن العربي يعيش مرحلة السرد، التي بدأت تضيق بالرمزية التي أستوعبتها القصة القصيرة في زمن النظام البائد، اما الآن لدينا الكثير من الأسئلة المؤجلة ونحن بحاجة الى أن نناقشها، وهذه الأسئلة كانت ممنوعة، في رواية ما بعد التغيير كانت هذه التساؤلات حاضرة، منها لماذا بيئتنا لاتنتج العلماء والمخترعين، لماذا تنتج في الأعم الأغلب الدكتاتوريات والأصنام البشرية، ومن هذه النقطة وهذا التساؤل انطلقت عندي فكرة كتابة رواية (كوثاريا)، وكوثاريا في التأريخ هي مدينة ولادة نبي الله ابراهيم عليه السلام، وكان عمه آزر ابرع صانع للأصنام فيها، وهي مدينة بابلية مشهورة بالنحت وصناعة الاصنام، فاستخدمتها كرمز لإنتاج الالهة في العراق، اي انها مدينة صناعة الأصنام في العراق القديم. استخدمت اسم كوثاريا ورمزيته وأسقطته على بغداد، حيث تدور احداث روايتي، لأوحي للقارئ الكريم ان بغداد او اي مدينة عراقية او عربية او إسلامية إنما هي كوثاريا حديثة، مدينة لصناعة الأصنام البشرية.

البطل في كوثاريا كان بطلاً مهزوماً ومنكسرا؟
تعمدت ان لا اسمي هذا البطل او الشخصية الرئيسية، فيها لأوحي للقارئ ان هذا البطل يمثل الأعم الأغلب من العراقيين طوال فترة الحكم الصدامي، حيث كان يعيش العراقي حينها حالة من الإستلاب والانكسار والانهزامية الازدواجية، وقد انعكست هذه التمظهرات على الشخصية العراقية مابعد التغيير فكانت جزءً كبيرا من المشكلة. والاستلاب والانكسار والانهزامية والتشظي هي صفات جميع شخصيات الرواية وليس البطل فقط. كان هنالك اخر (حمود الأعرج) الذي كان معاقاً في إشارة الى عوق الثورة عندنا، وكانت شخصية (فوزية) المرأة العاقر، إشارة الى عقم الثورة والتغيير، وغير ذلك من الإشارات والتمثلات التي لا تخفى على القارئ اللبيب وربما حتى القارئ العادي.

كيف تبدأ بالكتابة وما هي هندسة الرواية لديك؟
في البداية تتوفر لدي الفكرة، حتى تبدأ بالإلحاح، فأبحث لها عن الحكاية المناسبة التي أستطيع من خلالها طرح الفكرة او مجموعة الأفكار التي تتوالد فيما بعد. ثم ابدأ برسم شخصيات الحكاية الروائية وابعادها، وأضعها في الظروف المناسبة والمكان والزمان المناسبين، بعد ان أقوم بكل هذا تبدأ الشخصيات بالتحرك والكلام كأنها شخصيات حقيقية! اشعر بوجودها واناقشها، وأحيانا يقولون او يفعلون أشياء انا غير راضٍ عنها شخصيا، لكني لا اتجاوز مهمتي كروائي في فرض افكاري وقناعاتي المُسبقة عليهم، فأصور ما أستطيع من حركاتها وسكناتها وأدون أقوالها، دون اي تدخل مني ودون فرض اي قول او تصرف عليها، واصوره دون افرض عليهم شيئاً، وعشت من خلال هذا خمس سنوات مع شخصيات رواية (كوثاريا) ، احدثها أناقشها افرح وأحزن وأتأمل معها، وهذه السنوات الخمس هي الوقت الذي استغرقته كتابتها،هذا هو تصوري حتى الان عن طريقة كتابة الرواية، وربما لكل روائي طريقته الخاصة.

الزمن عند نعيم آل مسافر نراه يقفز من محطة الى أخرى؟
زمن رواية (كوثاريا) ينتاول حياة شخصياتها خلال ثلاثة عقود من الزمن، من حرب الثمانينات الى الحصار الاقتصادي الى ما بعد ٢٠٠٣، لكنها لم تأت بطريقة السرد الكلاسيكي من البداية الى الوسط العقدة الى النهاية الحل، إنما تبدأ بالمقدمة الاستهلال، مقطع من طفولة البطل بعنوان (مردوخ) أجملت فيها فكرة الرواية الرئيسية او التساؤل الأهم، ثم تبدأ بيوم اختطافه، وتستمر الرواية يتخللها الكثير من الاسترجاع الفلاش باك والمنلوج الداخلي وغيرها من التقنيات، وقد استخدمت هذه التقنيات لرسم خلفيات الشخصيات العائلية والاجتماعية، ودوافعها ونوازعها الخيرة والشريرة، سبر أغوارها، ومعرفة طريقة تفكيرها، لمحاولة استكشاف كيفية تكوّن هذه النوازع للشخصية والاسباب والظروف للسياسية والاجتماعية التي أدت لها. لهذه الأسباب استخدمت القفز في الزمن والتقديم والتأخير به، وكذلك لكسر المل والرتابة التي يمكن ان تتسرب الى نفس القارئ قبل اكمل قول ما اريد قوله من خلال كتابتها.

هل كنت تتوقع هذا النجاح الذي حققته (كوثاريا) باعتبارها روايتك الاولى؟

في الحقيقية كنت واثقاً منها ومعولاً عليها كثيرا، لكني لم أكن أتوقع هذا النجاح الكبير الذي حققته حتى الآن، فقد حصلت على جائزة محمد الحمراني للرواية عام ٢٠١٢، ووصلت الى القائمة القصيرة في مسابقة بغداد للرواية عام ٢٠١٥، وبين هاتين الجائزتين كتب عنها عدد كبير من النقاد من داخل العراق وخارجه، وقد اجمل هذه الدراسات والقراءات النقدية الناقد امجد نجم الزيدي في كتابه (كوثاريا المدينة والسؤال) الذي صدر عن دار كتابات الكترونية ٢٠١٦. وكذلك تناولها ثلاثة من الباحثين في الدراسات الأكاديمية للماجستير والدكتوراه مع روايات اخرى لكتاب كبار، وتناولها أربعة باحثين في الدراسة التحضيرية للماجستير، وستصدر منها هذا العام طبعة ثانية عن دار سطور. وهنالك مشروع لترجمتها الى لغة اخرى لا اريد ان اتحدث عنه الآن، وربما ستحقق نجاحات اخرى في قابل الأيام ان شاء الله.

كلمة أخيرة تحب ان تضيفها؟
قد لا يخفى على المتابع ان المكتبة الأدبية الاسلامية غنية بالشعر والمسرح وبقية الأجناس الأدبية، ولكنها فقيرة في السرد اقصد القصة والرواية. وكما هو معروف الان ان الشعر لم يعد ديوان العرب إنما اصبح السرد ديوان العرب، لما لهذا الجنس الأدبي من تأثير في مختلف مجالات الحياة ولقدرته على الاقناع والتغيير ومناقشة التاريخ والأفكار، ورفده للسينما والدراما التلفزيونية التي يتناولها المتلقي اكثر من الكتب. وعليه اقترح على إدارة العتبة العلوية المقدسة بكونها جزءً من المؤسسية الدينية، اقترح عليها إقامة مسابقة في القصة القصيرة واُخرى في الرواية ضمن ضوابط معينة وبما يتلائم وسياسة هذه المؤسسة، لعلنا نستطيع من خلال هذا المشروع رفد المكتبة الأدبية الاسلامية بنصوص سردية قيمة تكون نواةً لسرديات إسلامية كبرى.

نشرت في الولاية العدد 96

مقالات ذات صله